
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
في مقابلة له مع قناة ZDF الألمانية على هامش قمة مجموعة الدول السبع في كندا، قال المستشار الألماني فريدريخ ميرتس: “إنه العمل القذر الذي تقوم به إسرائيل من أجلنا جميعا”.
حقيقة لا أجد من هو أكثر اتساقا مع ماضيه النازي مثل السيد ميرتس، فجده جوزيف بأول سوفيني، الذي كان يشغل منصب عمدة مدينة بريلون إبان عهد الرايخ الثالث، والذي كان يطلق أسماء شوارع “هتلر” و”غوبلز”، كان عضواً نشطاً في الحزب النازي وعنصراً في قوات الاقتحام الاحتياطية، أما الوالد يواكيم فقد حارب ضمن صفوف الفيرماخت ضد الجيش الأحمر السوفيتي، وربما يكون قد شارك في محارق اليهود الذين يدعمهم الابن اليوم بكل حماس ويصف ما يقومون به بـ “العمل القذر” الذي “يقومون به من أجلنا جميعاً”.
بالتزامن يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استغل “الأعمال القذرة” التي يصفها ميرتس كي يسدد هو الآخر ضربة لمن جلسوا بالأمس معه إلى طاولة المفاوضات، فشرع يطالب إيران بالاستسلام غير المشروط، ويهدد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي ويخبره بأنه “يعلم أين يختبئ”!
ويعود ترامب ليقول لنا إنه لا زال يفكر ويفكر ويفكر بشأن شن هجوم على إيران، ويجتمع المجلس الوزاري المصغر بقيادة نتنياهو في غرفة محصنة تحت الأرض في تل أبيب ليقرروا ما هم فاعلون على خلفية مشاركة أو عدم مشاركة الولايات المتحدة.
تقول الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بكلية بوسطن المتخصصة في الأمن الدولي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتدخلات العسكرية ليندسي أورورك في كتابها الصادر عن جامعة كورنيل (2018) بعنوان “التغيير الخفي للنظام: الحرب الباردة السرية للولايات المتحدة” إن الولايات المتحدة، في الفترة ما بين 1947-1989 قامت بـ 64 محاولة لتغيير الأنظمة حول العالم بعمليات سرية أثناء فترة الحرب الباردة. وكانت تلك العمليات غير ناجحة في 60% منها، وفضح معظم هذه العمليات، ما أدى في كثير من الأحيان إلى عواقب غير متوقعة أو كارثية، حيث تعرضت تلك الدول فيما بعد لحروب أهلية خلال السنوات العشر التي تلت التدخل الأمريكي “السري”.
إلا أن ما لم يدخل ضمن نطاق بحث أورورك هو ما قامت به الولايات المتحدة في أوكرانيا، ولم يكن ذلك خفياً أو سرياً، وما قامت به في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان والقائمة تطول.
اليوم تحاول الولايات المتحدة بقفاز إسرائيل تغيير النظام في إيران بالوسائل العسكرية، دون أن يكون لدى أي من إسرائيل أو الولايات المتحدة أدنى قدر من المعلومات عن طبيعة المجتمع الإيراني أو الثقافة الإيرانية أو حتى اللغة الفارسية لإدراك ما يحدث في الداخل الإيراني.
لقد صرحت الخارجية الروسية على لسان عدد من مسؤوليها بأن الشرق الأوسط، بل والعالم أجمع، على بعد ملليمترات من الكارثة، ولا يدور الحديث هنا عن كارثة نووية فحسب، بل كارثة جيوسياسية مكتملة الأبعاد. فلا أحد سيحتمل إغلاق مضيق هرمز، ولا أحد سيحتمل تعرض المنشآت النفطية في الخليج (الإيرانية أو العربية على حد سواء) للضرر، ولا أحد سيحتمل في داخل إسرائيل وخارجها تعرض إسرائيل نفسها لطاقة تدميرية هائلة تمتلكها إيران، برغم كل الحصار، وبرغم الهجوم على منصات إطلاق الصواريخ، وبرغم سيادة سلاح الجو الإسرائيلي، فالحرب اليوم لم تعد مثلما كانت عليه منذ ثلاث سنوات ولا أقول خمس أو عشر سنوات.
إن الحرب اليوم تعتمد بشكل أساسي على الطائرات المسيرة، والطائرات المسيرة تعتمد بشكل أساسي على تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية، وتكنولوجيا الرقائق الإلكترونية تمتلكها الصين، والصين تتعاون مع إيران، وإيران متقدمة في تكنولوجيا الطائرات المسيرة، وهو ما يعني إمكانية مستدامة لخلق تهديد مستمر ومستدام لأهداف إسرائيلية بجميع المنشآت الاستراتيجية والحساسة داخل إسرائيل،وهذا وضع مستحيل، حتى لو امتلكت إسرائيل كل قذائف العالم، وكل أنظمة الدفاع المتطورة لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا معاً.
ناهيك عن الوضع الملتهب والمتدهور بشدة في أوكرانيا، وحاجة أوروبا للاعتماد على نفسها بعد توقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وما تحرزه القوات المسلحة الروسية من تقدم بطول جبهة المواجهة، وتحريرها القرية تلو القرية، ما ينذر بانهيار كامل للقوات الأوكرانية، ومعها أسلحة وذخائر ومساعدات “الناتو”.
لذلك يتحتم على جميع الأطراف ضبط النفس والعودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران لا لمصلحة إيران وحدها، وإنما لمصلحة دولة إسرائيل الصغيرة، وحتى لمصلحة الولايات المتحدة التي سيعجل تورطها في حرب بالشرق الأوسط إلى هزيمتها أمام غريمها الأساسي الصين.
إن العالم الحر، لا سيما الجنوب العالمي الذي يقف مشدوها من مدى عجرفة وغطرسة القيادة الإسرائيلية، يشجب ويدين العدوان الغاشم وغير المبرر على إيران، والعالم يعيش مرحلة حساسة تتغير فيها موازين القوى كل ساعة لا كل يوم، والحرب العالمية الثالثة لن تصب في مصلحة أي أحد على كوكب الأرض، لهذا يجب أن يتكاتف الجميع اليوم لوقف نزيف الموارد والدماء وزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.
إن إقليم الشرق الأوسط يحمل أهمية خاصة وحرجة بالنسبة للأمن القومي الروسي، لذلك استمعنا إلى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف وهو يحذر الولايات المتحدة من مساعدة إسرائيل عسكرياً، لما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على أمن المنطقة والعالم.
وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وروسيا والصين على أن أي هجمات مسلحة على المرافق النووية تمثل انتهاكا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لكن مجلس الأمن الدولي يقف كعادته مشلولا أمام الفيتو الأمريكي، فيما يتباهى ترامب بقدرته على استهداف وتحييد أي زعيم والاعتداء على أي دولة في الشرق الأوسط إذا ما خالفت الإملاءات الأمريكية وسعت لتطوير علاقاتها مع روسيا أو الصين على سبيل المثال لا الحصر.
إن المستقبل السياسي لرئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو مرتبط بالحرب ولا شيء سوى الحرب، فهو يقف متهماً ليس فقط أمام المجتمع الدولي والمحاكم الدولية بل وأمام القضاء الإسرائيلي بتهم فساد. لهذا يجرّ نتنياهو الأمة الإسرائيلية والمنطقة وربما العالم لحرب لا يعلم إلا الله منتهاها من أجل مصالحه السياسية الشخصية الضيقة، متذرعا في الوقت نفسه بـ “أمن إسرائيل”، و”تهديدات إيران”.
أقول إن شيئاً لا يمكن أن يغطي على هزيمة المخططات “الإسرائيلية” والغربية في فلسطين وأوكرانيا، تلك رهانات فاشلة، لا سيما بعد تصويت مجلس الأمن لقرار وقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة، واضطرار الولايات المتحدة وحدها لاستخدام حق الفيتو لمنع صدور القرار، كل تلك رهانات بائسة على خلفية تدهور الوضع داخل إسرائيل، ونصيحتي للولايات المتحدة ولإدارة الرئيس ترامب أن يلتفت إلى مشكلاته الداخلية التي لديه منها الكثير، فالعالم يتجه نحو التعددية القطبية شاءت أي إدارة أمريكية أم أبت، ولن تستطيع أي قوة في العالم وقف تلك العملية التاريخية الموضوعية.
#مرايا_الدولية