دولي

السرطان “الإسرائيلي” يغزو الولايات المتحدة

الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر

بعد يوم من لقائه رئيس الوزراء” الإسرائيلي ” بنيامين نتنياهو اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب له أمام مئات الجنرالات وأدميرالات الجيش الأمريكي استخدام المدن الأمريكية “كميادين تدريب”.

وتابع ترامب في قاعة كوانتيكو بولاية فرجينيا الأمريكية: “يبدو أن المدن التي يديرها الديمقراطيون اليساريون المتطرفون، وما فعلوه بسان فرانسيسكو وشيكاغو ونيويورك ولوس أنجلوس قد أصبحت أماكن غير آمنة على الإطلاق. سنقوم بإصلاحها واحدة تلو الأخرى”.

وهدد ترامب بنشر الحرس الوطني في المدن الأمريكية بما في ذلك بورتلاند وشيكاغو، برغم احتجاج حكام الولايات وغيرهم من المسؤولين المنتخبين، قائلاً: “يجب أن نستخدم بعض هذه المدن الخطرة كميادين تدريب لجيشننا”، وتابع: “نحن نتعرض لغزو داخلي لا يختلف عن العدو الأجنبي، لكنه أصعب من حيث أن العدو لا يرتدي الزي العسكري”!

ولكن، ألا يذكرنا ذلك بصديق ترامب المقرب بنيامين نتنياهو، الذي كان في زيارته منذ يومين، وأعلن عما يسمى بـ “خارطة الطريق للسلام في غزة”، محذراً منن أنه سيعطي “الضوء الأخضر” لنتنياهو لمواصلة العمل العسكري الإسرائيلي ما لم توافق “حماس” على المقترح.

تدعو خطة “السلام” الأمريكية إلى حكومة انتقالية لإدارة غزة “حتى تكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي وتتمكن من استعادة السيطرة على غزة بشكل فعال وآمن”، دون أن يوجد جدول زمني لهذا الانتقال، في الوقت الذي قال فيه نتنياهو إنه لن يقبل بإدارة السلطة الفلسطينية لغزة في المستقبل: “ستكون لغزة إدارة مدنية سلمية لا تديرها (حماس) ولا السلطة الفلسطينية”، فيما تؤكد الخطة على حرمان “حماس” من أي سلطة في مستقبل حكم غزة.

ومع أن الخطة الأمريكية تقر بإمكانية، “فقط إمكانية”، قيام دولة فلسطينية، وتصف ذلك بأنه “طموح الشعب الفلسطيني”، إلا أنها لا تنص على أنها ستعترف بهذه الدولة، بالتزامن مع انتقاد الولايات المتحدة لحلفائها الذين اعترفوا بالدولة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة.

تنص الخطة أيضاً على منح عناصر “حماس” الذين ينزعون سلاحهم طواعية ويلتزمون بالتعايش السلمي عفوا شاملا، وتوفير ممر آمن لعناصر الحركة ممن يرغبون في مغادرة غزة إلى “الدول المضيفة”، دون تحديد هذه الدول.

وتشمل الخطة استعادة الرهائن أحياء وأموات، وإطلاق سراح مسجونين من السجون الإسرائيلية، وإدخال المساعدات الإنسانية الكافية دون انقطاع، وعدم تهجير الفلسطينيين، وآلية أمنية تضمن سلامة جميع الأطراف، والانسحاب الكامل لإسرائيل من القطاع، وإعادة إعمار غزة.

ومع توقف العمليات العسكرية، وفقا للخطة إذا ما تمت الموافقة عليها، سيتم وضع “خطة ترامب للتنمية الاقتصادية لإعادة بناء غزة وتنشيطها”، وإنشاء “منطقة اقتصادية خاصة بتعرفة جمركية وأسعار دخول تفضيلية”.

كذلك ستعمل الولايات المتحدة مع الشركاء العرب والدوليين على إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة ISF للانتشار السريع في غزة، ستقوم على تدريب ودعم قوات الشرطة الفلسطينية في غزة، بالتشاور مع الأردن ومصر، لتأمين المناطق الحدودية، ومنع دخول الذخائر إلى غزة وتسهيل التدفق السريع والآمن للبضائع لإعادة بناء غزة وإنعاشها.

وتؤكد الخطة على عدم احتلال إسرائيل لغزة، أو ضمها، وانسحاب القوات الإسرائيلية وفقا لمعايير ومعالم وجداول زمنية مرتبطة بنزع السلاح يتفق عليها “الجيش الإسرائيلي” والجهات الضامنة والولايات المتحدة لضمان أمن غزة وعدم تهديدها لإسرائيل مجدداً.

أما فيما يتعلق بـ “حل الدولتين”، فتنص الخطة على أن الولايات المتحدة “ستطلق حوارا بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي لتعايش سلمي ومزدهر”.

لا شك أن الرئيس ترامب استخدم عباقرة هوليوود في كتابة السيناريو لإخراج مثل هذه الخطة الأنيقة، التي تبدو براقة على الورق وفي المستندات، دون أن تذكر فيها كلمة واحدة عن هيئة تدعى “الأمم المتحدة”، أو “الرباعية الدولية”، أو “منظمة التحرير الفلسطينية”، التي تعتبرها الأمم المتحدة “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”.

يكتفي كاتب السيناريو أن يذكر لنا أن الولايات المتحدة “ستطلق حوارا بين إسرائيل والفلسطينيين”.. أي فلسطينيين؟ من يمثل الفلسطينيين؟ من يتحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني؟ أم تعتزم الإدارة الأمريكية إنشاء سلطة وهمية موالية “تمثل الشعب الفلسطيني”، ومن ينتخب هذه السلطة، وما القانون والدستور الذي ينظم عمل هذه السلطة.

مسلسل “نتفليكس” على عدة حلقات مشوقة، تبدأ بالتهديد والوعيد، وينبغي على “حماس” وعلى الشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي أن يوافقوا عليها فوراً، وإلا فقد أعذر من أنذر، وسيقوم الجلاد الإسرائيلي بضرب مثال على القوة الغاشمة أمام الـ 154 دولة التي اعترفت بفلسطين.

يضرب نتنياهو ومن ورائه ترامب بكل التأييد الدولي والتعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني عرض الحائط، كرد على الاعتراف بدولة فلسطين، ويقلب الطاولة ويبدل الأدوار واضعا نفسه في صورة “البطل الذي سيترأس لجنة مساعدة الفلسطينيين”.

لكن أين الفلسطينيين من هذه الخطة؟ ومن سألهم أو استشارهم؟ وهل هذا السيناريو الهوليوودي، الذي قد يقنع البعض بـ “حسن النوايا الأمريكية”، يستهدف حقا “أفقا سياسيا لتعايش سلمي ومزدهر”، أم يستهدف، وهو الأكثر منطقية، جائزة نوبل للسلام؟!

أظن أن الرئيس ترامب في مأزق، بينما تتسرب إليه أفكار نتنياهو في الخارج والداخل، بعدما أعلن في ولايته السابقة عن ضم الجولان وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، واليوم يعلن أنه يتبنى إجراءات نتنياهو في غزة داخل الولايات المتحدة في سان فرانسيسكو وشيكاغو ونيويورك ولوس أنجلوس، لتصبح “ميادين تدريب” للجيش ضد “العدو الداخلي” الذي لا يرتدي زي العسكريين، أو بكلمات أخرى “ضد المدنيين”.

إن من يقف أمام ترامب اليوم ليست فلسطين ولا الشعب الفلسطيني وحده، بل مليارات البشر ممن يؤيدون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، مليارات من الأحرار حول العالم يلتفون حول رفض الاحتلال وحق الشعوب في تقرير المصير وهي مواد في ميثاق الأمم المتحدة وحق الشعب الفلسطيني مثبت في جميع قرارات الشرعية الدولية، ليضع الولايات المتحدة وإسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة.

أعتقد أنه من غير الجائز أو المقبول إبعاد الأمم المتحدة عن أي جهود بخصوص التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية بل ينبغي الاسترشاد والاستناد إلى القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بخصوص الحدود والتمثيل والإجراءات المطلوبة لإعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وأي جهود خارج إطار المنظمة لا يمكن أن تتوصل لحل عادل شامل ومستقر في منطقة الشرق الأوسط. ولا أظن أن روسيا يمكن أن تشارك بجهود تخص القضية الفلسطينية خارج هذا الإطار، وموقف روسيا واضح ومعلن ومثبت في جميع المحافل الدولية بهذا الصدد.

فروسيا، واستنادا إلى قرارات الأمم المتحدة، تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي ممثلة حاليا من خلال السلطة الفلسطينية، وتجاوز ذلك غير مقبول بأي شكل من الأشكال، وأي اتفاقيات أو خطط أو مبادرات دون مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية لا ولن يعتد بها، ولن يكون لها صفة رسمية لتقرير مصير الشعب الفلسطيني.

#مرايا_الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى