 
						كتب الحقوقي موهار مدحت زعيتر
٢٧ ت١ ٢٠٢٥
في زمن الحرب، لا يعود الإعلام مهنة لنقل الأخبار فحسب، بل يتحوّل إلى جبهة بحدّ ذاته، وسلاح موازٍ في معركة الوعي والموقف. الكلمة هنا توازي الرصاصة، والصوت الحرّ يعلو على دويّ القصف حين يكون منحازاً للوطن والحقّ والكرامة.
في لبنان، خبرنا جيداً هذا الوجه المزدوج للإعلام. فمن جهة، هناك إعلام مقاوم صادق، شكّل على مدى العقود الماضية درعاً معنوياً في مواجهة العدوان، حافظ على ثبات الناس، وصوّب البوصلة نحو العدو الحقيقي الذي لا يزال يتربص بالوطن أرضاً وإنساناً. إعلام وطني لم يخضع للابتزاز، ولم يتلوّن تبعاً لرياح التمويل، بل بقي صوت الأرض والمقاومة.
ومن جهة أخرى، هناك قنوات الفتنة وأقلامها، تلك التي باعت ضميرها في سوق النفاق السياسي. قنوات امتهنت التحريض والتضليل، تشوّه الحقائق، وتنفخ في نار الانقسام لتنال من وحدة الشعب ومن عزيمة المقاومين. أقلام مأجورة لا تعرف من الصحافة إلا المظهر، تكتب بأحبارٍ مدفوعة الثمن، وتسعى لنيل رضا مموليها لا ثقة جمهورها. هؤلاء ليسوا إعلاميين، بل مرتزقة الكلمة، وصدىً أجوف لمن يريد أن يرى لبنان ضعيفاً مكسوراً.
أما مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تحوّلت إلى ميدان إضافي في الحرب. بين من يستخدمها لتوثيق الحقيقة ونشر الوعي، وبين من جعلها منصة للسموم، لبثّ الشائعات وترويج الأكاذيب وتصفية الحسابات. لكنها أيضاً كشفت الوجوه: فالصادق بقي صادقاً، والمزوّر انفضح أمام الجميع.
وفي خضمّ هذا المشهد، يطلّ ما يُسمّى بـ”صغار الصحافة” — أولئك الذين يملؤون الفضاء ضجيجاً ولا يُحدثون أثراً. يكتبون بلا معرفة وبعضهم كانوا يحيون حفلات زجل ، يتحدثون بلا مسؤولية، يلهثون وراء الشهرة السريعة، ولا يدركون أن الكلمة إن لم تُصغ بصدق تصبح كالحجر الذي يُلقى في بئرٍ راكدة: يحدث جلبة، لكنه لا يروي عطش الحقيقة ، وآخرون يشرئبون برقابهم علّهم ينالون من فتات الشهرة كسرة ، بغضّ النظر عن موقعهم المؤيد أو المناهض.
بعد الحرب، سيُكتب التاريخ من جديد، وسيُسجَّل من وقف في صفّ الوطن ومن اصطفّ في خندق الفتنة. وستبقى الأقلام الحرّة شاهدة على زمنٍ كان فيه الإعلام خطّ الدفاع الأول عن كرامة لبنان. أما أبواق الفتنة وصغار القلم، فسيطويهم النسيان كما طوى من سبقهم من المرتزقة.
وليعلم الفتنيّون وصغار القلم أن زمن التلاعب بالعقول قد ولّى، وأن من يبيع وطنه بكلمة، سيُشهر عليه التاريخ قلمه كحدّ السيف. فالوطن لا ينسى من خانه، والجمهور لا يرحم من استهان بوعيه. ستسقط أقنعتهم واحداً تلو الآخر، وستبقى الكلمة الحرّة، المقاومة، هي السيّدة، وهي الحقيقة التي لا تُشترى ولا تُباع.
#مرايا_الدولية
 
				


