س: كل عام ننتظر شهر مايو لنحني رؤوسنا أمام جيل المواطنين السوفييت الذين حققوا لنا النصر العظيم بعد تمكنهم من وقف زحف النازية. لكننا اليوم نواجه شراً آخر، لا يقل رعباً، وهو الإرهاب الدولي الذي يجلب أيضا الموت والدمار للكل.
ونواصل اليوم حوارنا مع الشخصية السياسية والاجتماعية المرموقة رامي الشاعر، ونحاول أن نستشف رأيه حول القضايا التي طرحت في مؤتمر موسكو للأمن الدولي الذي عقد في نهاية شهر ابريل، وأبرزها: الدفاع المضاد للصواريخ، وعسكرة الفضاء، وعودة اللاجئين إلى سورية، وغيرها من المواضيع، بحضور وزراء دفاع الدول العضوة في (الناتو)، والاتحاد الأوربي، والقيادة العسكرية السياسية لهذا الحلف، رغم تجاهل الكثيرين للدعوة.
ج: رامي: الهدف الأساسي للمؤتمر هو إجراء حوار نزيه وعادل من أجل البحث المشترك عن حلول لمشاكل الأمن.
وللحق لا بد أن نقر ونعترف بأن ذوي الرتب العسكرية بالذات هم أكثر الناس الذين يدركون القيمة الحقيقية للسلم ويقدرونها، وقادرون على إيجاد لغة مشتركة عند مناقشة القضايا الساخنة في مجال الدفاع. لكن ما يثير الدهشة والغرابة هو توجيه اللوم والانتقادات لروسيا في بعض الدول على خلفية هذا المنتدى.
ومع ذلك تميزت كلمة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بالصراحة الكافية في إطار الدبلوماسية واللياقة، دون إغفال من ذات الوقت لواقع قيام حلف شمال الأطلسي بحشد قواته على مقربة من الحدود الروسية بحجة إجراء مناوراته هناك، بينما يظهر واقع الأمر بأنه يعمل على تعزيز أنظمته المضادة للصواريخ في دول البلطيق والبلدان الأخرى.
ولعل من الطريف أن نذكر بأن بعض بلدان الناتو، ممن تحشد قواتها على الحدود، هي مدينة لروسيا بالكثير.
وعلى أي الأحوال يشكل النهج العسكري الحالي للحلف تحدياً خطيراً لروسيا، ويدفعها إلى اتخاذ إجراءات دفاعية جوابية وقرارات فعالة لاستنفار قدراتها العسكرية والدبلوماسية على حد سواء.
ومهما يكن من أمر، أنا شخصياً لدي قناعة بأن نهج الحلف موجه ليس فقط نحو تحقيق التفوق العسكري على روسيا، بل وأيضا نحو التطلع إلى خلق عالم يحكمه القطب الواحد. إذ لا يخفى على أحد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو تسعيان إلى فرض هيمنتهما على العالم، وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب انتهجا سياسة غير نزيهة وغادرة، لا تخلو من الأنانية، من بعض دول أوروبا نفسها وفي الشرق الأوسط، مثلما سلكا في يوغسلافيا، والعراق، وأفغانستان، وليبيا، وحتى الحرب الأهلية التي تشهدها كل من سورية وأوكرانيا حالياً، لم تسلم من التدخل الأمريكي، واليوم نرى كلنا عواقبها.
س: لكن الولايات المتحدة الأمريكية تعلن بأنها تتصرف هكذا، دفاعا عن الديمقراطية؟!
ج: رامي: وهل يعقل الحديث عن الديمقراطية في بلد، تضم سجونه، 26% من كل مساجين العالم، ونصيبه الثلث من كل صادرات الأسلحة عالميا؟! التوتر ازداد وتضاعف في العالم خلال السنوات الأخيرة من جراء الخطوات الهدامة للولايات المتحدة الأمريكية. فهي تحاول أن تفرض على العالم وجهة نظر خاصة بها، تزعم بأنها دولة (لا مثيل لها، وفوق الجميع)، مما يقوض بنية الأمن الدولي من أساسه. وبدلا من السعي إلى تسوية النزاعات بأسلوب مرحلي وعادل، يراعي مصالح كل الأطراف وكل الشعوب، تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو خطوات تزيد حدة الخلافات وتشعلها أكثر. وأحد الأمثلة على ذلك حرب اليمن، فالدول الغربية بدلا من السعي لوقفها، تقوم بتزويد حلفائها فيها بالسلاح، مما يشعلها أكثر. بل ومن المفارقات التي تثير الدهشة، هو إرسال الولايات المتحدة الأمريكية جنودها إلى اليمن. والشيء نفسه يقال بالنسبة لحلف شمال الأطلسي، فهو يمارس سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لكل الدول العربية عمليا. ونتيجة لذلك يشتعل الموقف في المغرب العربي، حيث يتأزم الوضع من جديد في ليبيا الممزقة والمدمرة. وتحنث الولايات المتحدة بوعدها بسحب قواتها من سورية. وفي سيناء نرى قوات حفظ السلام الأمريكية تتمسك بالوضع القائم لصالح أمريكا وإسرائيل. وفي العراق مازال الوجود الأمريكي مستمراً. وفي الأردن انتشر الخبراء العسكريون الامريكيون مع القوات الخاصة للجيش والقوات البحرية العسكرية للولايات المتحدة.
س: (دونالد ترامب) أعلن عن الانسحاب من اتفاقية التخلص من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى. ويؤكد بعض الخبراء بأن فسخ الاتفاقية سيؤدي إلى سباق جديد للتسلح في العالم كله.
ج: رامي: روسيا لا تسعى إلى المجابهة، ولا من صالحها الخوض في سباق للتسلح. وقدمت وزارة الدفاع الروسية دليلا على ذلك في يناير من العام الحالي، عندما دعت الملحقين العسكريين الأجانب، وعرضت أمامهم الصاروخ (9M729)، الذي استغلته أمريكا حجة وذريعة للانسحاب من اتفاقية تصفية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، زاعمة بأن هذا الصاروخ (بعيد المدى جداً). وقام الخبراء بشرح الأمر، وأثبتوا بأن هذا الادعاء غير صحيح، ورغم ذلك لم يقتنع ممثلو بريطانيا وألمانيا وفرنسا شخصياً، وبأوامر صادرة من قيادة الناتو تم منع الملحقين العسكريين التابعين له من حضور هذا المؤتمر الصحفي. وفيما يخص الموقف الأمريكي، فهو كالتالي: “الصاروخ ينتهك الاتفاقية، وبالتالي يجب التخلص منه”. لكن في حقيقة الأمر، تسعى أمريكا من وراء الانسحاب من الاتفاقية إلى التحرر من قيودها في مجال التسلح من أجل تحقيق التفوق العسكري الكامل.
وإذا أمعنا النظر في الوضع القائم اليوم سنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك 730 قاعدة عسكرية خارج حدودها، أما حلف الناتو والحلفاء الآخرون لأمريكا فيملكان ألف قاعدة تقريباً. وهذا يعني بأن روسيا في وضع لا يساعدها على تحديد مصدر الخطر للضربة الوقائية، التي يهدد حلف الناتو بتوجيهها لها هي بالذات. لكننا، من خلال تحليل موضوعي قائم على التقصي والتحليل، وأيضا حسب البيانات الرسمية، ننوه إلى وجود 2100 عبوة نووية لدى روسيا مع كل أنواع حواملها الصاروخية، التي ستنطلق حتما بمقدار النصف تقريبا في حالة نشوب حرب عالمية ثالثة، وذلك من أجل تدمير القواعد المعادية في كل أنحاء العالم. ويجب هنا ألا نغفل بأن حوالي 14 قاعدة كبرى أمريكية جوية وبحرية وبرية منتشرة في الشرق الأوسط وحده، بالإضافة إلى حوالي 20 قاعدة أخرى صغرى، ويجري استخدامها كمراكز لوغاستيه، ونقاط للتموين والتزود بالوقود، وملتقى للمواصلات. لكن يمكن استخدامها أيضاً كمراكز لانتشار الوحدات العسكرية الكبرى، بل والتشكيلات الأكبر أيضاً. وبالتواكب مع حاملات الطائرات والسفن الأخرى تتحول هذه القواعد إلى مراكز لتشكيل الاحتياطي القتالي الجاهز للقوات الإستراتيجية الأمريكية.
وبالتالي هناك تساؤل مشروع يطرح نفسه بنفسه: ماذا يعني هذا لسكان ومواطني البلدان العربية؟!
أولاً: لتحاشي الاحتراق في جهنم النووية، يجب عليهم الامتناع عن تشجيع سباق التسلح، وبذل كل ما في الوسع من أجل منع نشوب الحرب.
ثانياً: العمل على تخليص العالم العربي وإخلائه من السلاح النووي الذي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد قواتها العسكرية البحرية به.
استخلاصاً مما سبق أود أن أورد هنا ملحوظة بالغة الأهمية، مفادها هو أن الغرب يجب عليه أن يعي وأن يفهم جيدا بأن الاستئثار بالرأي وفرضه على الآخرين لن يحدث، أو كما يقول المثل الروسي: (اللعب ضد مرمى واحد لن يمر!!!). ومفتاح الحل لمشاكل الأمن ليس في السلاح، وإنما في السياسة. ينبغي استيعاب الموقف الناشئ، والتصرف بما يحول دون دفع العالم إلى الانحدار نحو سباق التسلح، والمجابهة، والداء المتبادل.
س: الحرب الوطنية العظمى أظهرت لنا الثمن الغالي الذي كلفنا لتحقيق السلم. كل ساعة من هذه الحرب المرعبة تخللها مثال على البطولة والتضحية بالنفس للجندي السوفييتي. واليوم للأسف، التاريخ يعيد نفسه: الجنود والضباط الروس يقومون بتحرير مدن الغير، مثلما فعل أجدادهم قبل أكثر من 70 سنة في أوروبا.
ج: رامي: يجب علينا أن نتذكر دروس التاريخ، وأن نسعى بكل ما لدينا إلى عدم تكرار مثل هذه الاراقة للدم من جديد.
ذات مرة كنت مغادرا للنادي الدبلوماسي في قرية (ريابينكي) بمنطقة (كوناكوفو)، لفت نظري تجمع مجموعة من الناس حول النصب التذكاري المقام تخليدا لذكرى الرقيب فياتشسلاف فاسيلكوفسكي، ورعايتهم له بتنظيفه وجمع أوراق الشجر من حوله. هذا الرقيب أحد الأبطال الأوائل، الذين سدوا بأجسادهم فوهة مخبأ العدو، ليستشهد في ديسمبر 1941 شاباً عمره 26 عاماً. ولما رأيت حماسة الشباب وهم يرتبون المنطقة المجاورة للنصب ويلونون سوره بالطلاء، أدركت بأنهم يحبون بلدهم، ويحترمون تاريخها، ويبجلون ويقدرون أبطالها. ومن المؤسف جداً انصياع البعض للدعاية الغربية التي تحضهم على تسويد صفحة روسيا العظيمة. حيث أدلى أحد المسؤولين في حركة عموم روسيا المسماة بـ (اتحاد القوى اليمينية) بتصريح شنيع وغير لائق بالمرة، من وجهة نظري، عندما قارن سلوك جهاز الاستخبارات العسكرية السوفييتية بسلوك القوات النازية من جهاز (إس إس) أثناء تنفيذه للعملية العسكرية التاريخية الدرامية المسماة بـ (سميرتش)- (وكانت تهدف إلى تنظيف المناطق السوفييتية المحررة من القوات الفاشية من الخونة وأعوان الفاشيست).
شكرت الشباب على جهودهم في رعاية النصب وتجميلهم وتشذيبهم للمنطقة المحيطة به، وحدثتهم عن الشباب الروس الذين يقومون اليوم ببطولات من أجل السلم، وكيف أنهم يلقون حتفهم ويستشهدون ليس بسبب مساعدة موسكو لدمشق، وإنما لقيامهم بأداء واجبهم، دفاعاً عن الأمن القومي لروسيا وطنهم. فهم يقضون على الإرهاب الدولي، وهنا أستذكر بكل التبجيل والتقدير الضابط الكسندر بروخورنكو الذي ضحى بحياته من أجل تحرير مدينة(تدمر) السورية. عندما حاصرته مجموعة إرهابية، طلب من زملائه الجنود توجيه النيران المكثفة إلى المربع المتواجد فيه مع الإرهابيين لتصفيتهم. وكذلك الطيار رومان فيليبوف الذي أبى الوقوع في أسر الإرهابيين، ففجر نفسه وفجرهم معه. في القريب العاجل سيقام في سورية نصب تذكاري تخليدا لذكرى الجنود والضباط الروس الذين استشهدوا وهم يؤدون واجبهم العسكري. وقريباً أيضاً سيوضع إكليل من الزهور في مياه البحر الأبيض المتوسط، قرب شاطئ اللاذقية، تخليداً لذكرى طاقم الطائرة الروسية (إيل- 20).