
ويأتي هذا الاجتماع في ظل أجواء متوترة غاية في الحساسية.
ففي إيران، تسلم الرئيس الإيراني الثامن منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية، إبراهيم رئيسي مهام منصبه في أغسطس الماضي، خلفاً لحسن روحاني، في ظل تجاذبات حول قضية ما يحوم حول الجمهورية الإسلامية من مقولات “التشييع” و”التغيير الديموغرافي لمناطق في سوريا والعراق” و”السعي للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط” وغيرها، وكذلك في ظل الملف النووي الإيراني، والحديث عن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى طاولة المفاوضات واستئنافها في فيينا، بغرض رفع العقوبات على إيران، وما جاء في لقاء وزيري خارجية روسيا وإيران في موسكو منذ أيام، حيث أعرب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عقب محادثاته مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، عن استعداد بلاده لاستئناف المفاوضات في فيينا بشأن الملف النووي.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت، في وقت سابق من هذا الأسبوع، عن حديث لافروف مع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، بصدد مسألة استئناف المفاوضات، في ضوء ما أكّده لافروف من أن المجتمع الدولي “ينتظر من الولايات المتحدة عودتها إلى شرعية الاتفاق النووي الإيراني، وإلغاء القيود غير القانونية التي تستهدف طهران”.
ويأتي الاجتماع كذلك في ظل مؤشرات إيجابية حول اتصالات سيكون لها دور مؤثر في تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية، وهو أمر بالغ الأهمية فيما يخص أمن الخليج، والمنطقة، وإنهاء حالة مستمرة من الخوف والقلق والتوتر بين الجيران وأبناء العقيدة الواحدة، على عكس ما يروجه الإعلام من محاولات “تشييع” المنطقة.
وجاء هذا الاجتماع كذلك في ظل زيارة هامة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى موسكو، ولقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وما أسفر عنه هذا الاجتماع من نتائج تتعلق بسوريا ومسار أستانا الذي يشمل إلى جانب روسيا وتركيا إيران. كما تمت مناقشة قضايا القوقاز، وسط ما يدور في أروقة الصحافة والإعلام من نزعات “إمبراطورية عثمانية” بشأن العالم “التوركي” (الشعوب الأوراسية التي توطنت في شمال ووسط وغرب أوراسيا، ممن يتحدثون لغات تنتمي لمجموعة اللغات التوركية، ويشتركون بنسب متفاوتة في خلفيات تاريخية وثقافية مشتركة)، وهو ما تنفيه تركيا، ولا يستقيم مع المنطق وحقائق الجغرافيا والسياسة.
ويأتي هذا الاجتماع الهام في ظل ما أكد ويؤكد عليه دائماً قادة مسار أستانا (روسيا وإيران وتركيا) من وضعهم مصلحة شعوب المنطقة في صدارة أولوياتهم، وتحفظهم على أي جهود تسير بعيداً عن جهود الأمم المتحدة التي تعني بمساعدة السوريين وكافة شعوب المنطقة لتجاوز الأزمات الطاحنة التي تعصف بهم، وتمنعهم من الحياة بسلام وأمان.
ويأتي اجتماع اللجنة الدستورية المصغرة كذلك في ظل القضاء على الإرهاب والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، والتوصل لمناطق التهدئة، والتوافق مع جيران سوريا، بما في ذلك تركيا والأردن. ولعل المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس السوري، بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبدالله، وتناولت العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون المشترك، والتي أكد خلالها العاهل الأردني على دعمه لجهود “الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها”، تبشر بفتح صفحة جديدة لا بين دمشق وعمّان فحسب، وإنما بين دمشق والعالم العربي.
يأتي الاجتماع في ظل دعم مطلق لأطراف مجموعة أستانا لجهود الأمم المتحدة، من خلال إرسالها وفوداً رفيعة المستوى، من روسيا وإيران وتركيا، لا للتدخل، وإنما لتسهيل سير المفاوضات بين الوفود، لمساعدة السوريين في مساعدة أنفسهم، وإحراز تقدم فيما يخص عملية التوافق على التعديلات الدستورية، بما يسهل السير في عملية الانتقال السياسي الذي يختاره السوريون بأنفسهم في إطار قرار مجلس الأمن 2254، ودون أي تدخل خارجي.
لهذا أتمنى أن تتحلى جميع الأطراف السورية بروح المسؤولية الرفيعة، والابتعاد عن التشبث باقتراحات مسبقة، يمكن أن تسبب خلافات أثناء سير الاجتماعات والنقاشات، وتجنب إضاعة الوقت في نقاشات لا تصب في مصلحة الشعب السوري، الذي آن الأوان لكي يضعه المفاوضون في اللجنة على قائمة الأولويات والمعايير والمحددات التي ينبغي الاستناد إليها.
لعل ما يقلق بهذا الشأن ما ورد من تسريبات حول مطالبة البعض للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، بتقديم أجوبة على أسئلة ورؤى من أطراف أخرى مقابلة، قبيل الاجتماع بيوم واحد، حتى يتسنى التفكير والبحث بشأنها، وهو ما يعود بنا إلى المربع صفر، من المواقف المسبقة، والمتزمتة، والمتشبثة التي لا تسهم في أجواء بناءة نرجو أن تسود في هذه الجولة الشاقة والمهمة وشديدة الحساسية.
أقول إن مصير الشعب السوري معلّق في عنق كل عضو من أعضاء اللجنة الدستورية المصغرة، من جميع الأطراف، وإن سوريا للسوريين، ولم ولن تكون لأحد سواهم، ولن يكون القرار ولا الدستور إلا سورياً، باتفاق السوريين جميعاً، دون إقصاء أو تهميش.