تصريحات كثيرة وإتهامات وقدح وذم من لبنانيين، سياسيين وحكوميين ورؤساء أحزاب، تطال في الكثير من الأحيان هامات ومقامات خارجية، إقليمية أو حتى دولية، لم يكن أولها تصريح وزير الإعلام اللبناني الحالي جورج قرداحي حول رأيه بالحرب اليمنية وتوصيفه لها بالعبثية، وذلك قبل تكليفه بوزارة الإعلام، ولن يكون ذلك التصريح أو النقد الأخير .
الشباب و الشتائم وكلام يصنف بالعيار الثقيل وإهانات لكرامات في بعض التصريحات صدرت سابقاً وستصدر لاحقاً، من قبل بعض الزعماء اللبنانيين بحق الخارج القريب والبعيد، مع اختلاف في أسلوب اللهجة و أدبيات الكلمة التي تختلف عن محورين موجودين بالبلد جرت العادة على تسميتهما قوى الثامن والرابع عشر من آذار .
وعلى الرغم من أنها ليست الكلمة الأولى وليس التصريح الوحيد من شخصية لبنانية حول حرب اليمن، ولن تكون الأخيرة في هذا الخصوص، وبالرغم من أن الوزير قرداحي لم يتناول المملكة العربية السعودية بأي تجريح أو أي كلام مهين إلا أن ذلك التصريح كان بمثابة الشعرة التي قسمت ظهر البعير، ولم تكن السعودية بحاجة لأكثر من هكذا تصريح لكي تقيم الأرض ولا تقعدها بإتجاه لبنان، من خلال تصريحات بدأت بطلب الإقالة لوزير الإعلام ترافقت مع طرد لسفراء لبنان من السعودية وبعض دول الخليج وليس إنتهاءاً بطلب إستقالة الحكومة كلها والطلب بلفظ حزب الله من المشاركة بأي حكومة لبنانية قادمة، ودراسة طرد لبنان من جامعة الدول العربية .
الحقيقة، هي ليست رمانة بل قلوبٌ مليانة، كما يقولون، فالسعودية لم تكن راضية يوماً أو محبة لحزب الله ووجوده في معترك السياسة اللبنانية، وهذا الأمر ليس جديداً ولم يكن وليد اللحظة، وقد تجلت بعض معالمه منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اللصيق جداً من زواريب ودهاليز مملكة آل سعود، وازداد ذلك الإنزعاج بعد بداية الحرب السورية ودخول حزب الله حليفاً قوياً وسنداً مهماً بجانب قوات النظام ودوره الأساسي الذي غير معادلات في الميدان السوري وخرّب الكثير من المؤامرات التي حِيكت ضد النظام بهدف قلعه، ولم تكن بعض الأيادي الخليجية، السعودية خاصةً، بعيدة عن تلك المكائد من خلال الدعم المالي والبشري والإعلامي بغية إقتلاع الرئيس بشار الأسد عن سدة الرئاسة، إلى أن تجلت تلك الإنزعاجات بعد إقدام السعودية بشن العدوان الهمجي والغاشم على اليمن وإرتكابها أفظع المجازر في التاريخ الحديث، ليقوم بعدها حزب الله وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله وباقي قيادات الحزب بإدانة الحرب وهمجيتها وعبيثيتها والدعوة إلى إيقاف تلك الحرب الغاشمة التي لن تعود إلا بالقتل والتنكيل، ثم توالت التصريحات السعودية والمكائد نحو لبنان عبر إدارة ممنهجة إعتمدت الحرب مع الحزب بأي وسيلة ممكنة، بلحاظ الحفاظ على حلفاء المملكة اللبنانيين على إختلاف إنتماءاتهم السياسية والطائفية، وطبعاً كان القائد المنبري لتلك الحرب هو محمد بن سلمان ولي عهد السعودية، ويطول الحديث إذا قررنا الخوض في طرق تلك الحرب التي مورست على اللبنانيين والهدف دائماً، رأس المقاومة، ولم يكن آخرها عدم الإكتراث بالوضع اللبناني المذري إقتصادياً منذ حوالي السنتين، دونما تقديم أي دعم مادي أو معنوي طيلة هذه الازمة، وهي التي كانت قادرة على إنهاء الوجع اللبناني وإخماد النار التي تحرق لبنان من خلال أزمته الإقتصادية .
حقيقة ما حصل ويحصل في لبنان من قطع علاقات خليجية وحديث عن طرده من جامعة الدول العربية لم يكن سببه كلام الوزير قرداحي، فبالمراجعة، نرى أن الرئيس نبيه بري وخلال ترؤسه سدة المجلس النيابي، كان قد صرح سابقاً بكلامٍ يشبه كلام الوزير قرداحي حول الحرب اليمنية وعبثيتها، إذن الوضع اليوم تغير والمحرمات التي كانت موجودة عند السعودية، أو التظاهر بوجودها، من خلال رفضٍ لأي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الإسرائيلي، حان وقت إظهاره، لترينا السعودية بقيادة محمد بن سلمان وجهها الجديد المتحضر والمنفتح على الحريات، من جهة، والمنفتح على كل أشكال التطبيع، من جهة أخرى، والقادم القريب من الأيام سيرينا تطور سريع في العلاقات السعودية الإسرائيلية، لن تتوقف عند فتح السفارات وتبادل العلاقات بشتى أنواعها ومجالاتها، ولربما يُعلن عن تطور في العلاقات العسكرية وصفقات أسلحة وطائرات وربما إتفاقيات دفاع مشترك، تكون كلها في وجه المحور الإيراني وحلفائه الرافض لأي حوار أو فتح باب تواصل مع الكيان الصهيوني .
ولا ننسى، المستنقع اليمني الموحل الذي غرقت فيه السعودية ومعها بعض الخليج والرفض الإيراني بالتفاوض بديلاً عن الحوثيين، بل جلّ ما قدمه الإيرانيون للسعودية، نصيحة عبارة عن طلب يكون من السعودية لحزب الله بغية التوسط لفتح باب التفاوض بين السعودية واليمن بعد النكسات التي تتعرض لها السعودية داخل المستنقع اليمني، وهو طلب ترفضه القيادة السعودية لأنها تعتبر أنها تتذلل للحزب إذا تم التوسط في هذا الصدد .
إذن التصعيد الذي شهدناه من السعودية وبعض دول الخليج التي تأتمر بأمر السعودية، لم يكن سببه تصريح لوزير لبناني عبارة عن توصيف لواقع دون الإساءة بأي لفظ أو كلمة، بل هو أكبر من ذلك وأبعد . هو فتح باب العلاقات العلنية مع إسرائيل وإلهاء الشعوب العربية عامة، والخليجية خاصة عن ذلك الحدث، وهو تخبط في مسار الأحداث اليمنية التي تتجه نحو النصر الحاسم للحوثيين يوماً بعد يوم وهو فشل في ملفات عربية كبرى كسوريا وليبيا وغيرها، وهو سياسات حكم حمقاء من صبي أرعن، لم يعتد الفطنة والحنكة في السياسة، بل امتهن الحقد وسيلة والإجرام هدفاً، كل ذلك بدا ويبدو في نهجه الصبياني الذي يدير به حكم بلاد الحرمين الشريفين، أرض الرسول وقبلة المسلمين، لنتأكد يوماً بعد يوم، وفعلاً تلو الآخر بأنها، ليست رمانة بل قلوب مليانة .
حمزة العطار