الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
دعا وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، روسيا إلى “التخلي عن مسار الحرب” خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي حول أوكرانيا يوم أمس، الخميس 17 فبراير الجاري.
وعلى الرغم من إعلان روسيا عودة قواتها المسلحة التي شاركت مؤخراً في تدريبات عسكرية داخل البلاد إلى مراكز مرابطتها الدائمة، وعلى الرغم من تأكيدها أكثر من مرة، على لسان مسؤوليها، وفي نص الرد الروسي على الخطاب الأمريكي الخاص بمشروع المقترح الروسي للمعاهدة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الضمانات الأمنية
بعدم وجود ما يسمى بـ “الغزو الروسي لأوكرانيا”، ولا توجد أي خطط لذلك، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها، ومن خلال وسائل إعلامها، تعاود “حث روسيا على إثبات نيتها لاحتواء التصعيد”. ولا زالت واشنطن ترى أن “روسيا تستعد لخلق ذريعة لهجومها”.
السؤال الذي يراود المرء في كل هذا: هل يصدّق المسؤولون الأمريكيون على كل المستويات في الإدارة الأمريكية، ومن بينهم البنتاغون، تلك الفرية التي اختلقوها اختلاقاً بشأن “الغزو الروسي”؟ وألا يدرك هؤلاء أن حرباً لا يمكن أن تنشب استناداً لمصلحة الجميع في القارة الأوروبية؟
لقد تلقيت عدداً كبيراً من التساؤلات بشأن مقالة سابقة بعنوان “سري للغاية.. لن تنشب أي حرب”
حول القناعة التي استندت إليها في دحضي لإمكانية الحرب في أوروبا. وكانت إجابتي دائماً أن جميع بلدان أوروبا الغربية، النواة الاستراتيجية للولايات المتحدة في حلف “الناتو”، لا تريد الحرب، وليست زيارة قادة الدول الغربية إلى موسكو سوى دليل دامغ على ذلك، فالحرب لم تكن يوماً وليست من مصلحة أي من الأطراف في أوروبا.
وأكتفي في هذا المقام بسؤال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لنظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته الأخيرة لموسكو: “هل يدرك الشركاء الأوروبيون أن الحرب لن تنشب بين روسيا وأوكرانيا، وإنما بين روسيا وأوروبا الغربية؟”
وهل يدرك الشركاء الغربيون أن تعداد سكان أوكرانيا حوالي 42 مليون نسمة، من بينهم، على أقل تقدير 35 مليون لا يكنّون العداء لروسيا
بل ويرتبطون بها بروابط قرابة ومصاهرة ولغة وثقافة إن لم تكن أصولهم العرقية روسية بالأساس، ويقتنع هؤلاء بما لا يدع مجالاً للشك أن الشعب الروسي لا يكن لهم أي درجة من العداء، ويعتبرون شعوب روسيا وأوكرانيا وبيلاروس شعباً واحداً مقسماً على ثلاث دول.
كذلك فأنا على يقين أن قادة أوروبا والمجتمع الأوروبي بشكل عام يعون أن ضمان أمنهم واستقرارهم وازدهارهم يتطلب علاقات حسن جوار مع روسيا
ناهيك عن أهمية الغاز الروسي وغيره من الموارد الطبيعية وموقعها الاستراتيجي بالنسبة لهم، وكذلك وجود آلاف الشركات الأوروبية، والاستثمارات المتبادلة في كثير من المجالات التجارية ما بين روسيا وأوروبا، ما يجعل تدمير الولايات المتحدة الأمريكية لكل هذه الأواصر أمراً غير مقبول بالنسبة لأوروبا.
أعتقد أن ذلك يكفي ويزيد لكي تقتنع الدول بضرورة الحيلولة دون نشوب حرب في القارة الأوروبية، كما أظن أن مجلس الأمن الدولي يشارك في هذه القناعة، ولم يعط أهمية كبيرة لتصريح وزير الخارجية الأمريكي، بينما أكّد بالإجماع على أن الحل هو تنفيذ اتفاقيات مينسك لتسوية الأزمة الأوكرانية.
من جانبه وصف الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، اتفاقيات مينسك، الخميس 17 فبراير، بأنها وضعت بلا أدنى حد من الموهبة، واعتبرها وثيقة “متواضعة، وتم تصميمها بحيث تكون أوكرانيا في وضع أكثر ضعفاً وخسارةً”.
لا أرى تلك التصريحات تأتي منفصلة عن الهدف وراء إصرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على أن روسيا ستقوم بـ “عملية عسكرية في أوكرانيا” خلال الأيام القادمة. فتصريحات زيلينسكي لم تأت سوى بتعليمات من المستشارين الأمريكيين بجانبه
ممن يصممون على المضي في خطتهم حتى النهاية، وافتعال فتنة بين كييف ودونيتسك ولوغانسك، بينما يأملون فعلياً أن تقوم روسيا بالسيطرة على كييف، ويعرفون بطبيعة الحال أن ذلك ليس صعباً على روسيا
وبهذه الطريقة يثبتون لحلفائهم الغربيين أنهم كانوا على حق، وأن روسيا بالفعل تمثّل خطراً على أوروبا، ويأملوا بذلك أن يتمكنوا من ترميم العلاقات الأمريكية الأوروبية على جثة العلاقات الروسية الأوروبية.
لكن ذلك أيضاً أمر بعيد الاحتمال، سيلطخ أيدي الرئيس الأوكراني بدماء الشعب الأوكراني، حيث أن اتخاذ قرار بالحرب ضد دونيتسك ولوغانسك هو قرار إبادة للشعب الأوكراني بيد الشعب الأوكراني
وهو ما سيظل وصمة عار في التاريخ لا يمحوها الزمن. ما يجري الآن، وربما ما سيجري في الأيام المقبلة اشتباكات محدودة، وتراشق من قبل بعض المتطرفين ممن لا يلتزمون بقرارات وقف إطلاق النار أو تعليمات كييف
وسيسجل المراقبون الدوليون المتواجدون في مناطق الفصل، “بحياد ونزاهة” تلك الانتهاكات، ولن يتغير شيء في الوضع الراهن.
آمل أن يجد الرئيس بايدن في بيان وزارة الدفاع الروسية بانتهاء مناورات القوات المسلحة الروسية على أراضيها، وعودتها إلى أماكن تمركزها، ورد وزارة الخارجية الروسية على رسالة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الضمانات الأمنية
سبيلاً لحفظ ماء الوجه، بعد أن أطلق ولا زال يطلق تحذيراته وتكهناته بشأن “الحرب المزمعة” ضد أوكرانيا، وإلا فسنستمع قريباً من وزير خارجيته إلى تفاصيل مخططات موسكو لـ “احتلال واشنطن”، بعد “احتلالها لكييف”، كما وعدنا بالأمس.
#مرايا_الدولية