الكاتب و المحلل السياسي “رامي الشاعر”
أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن عقده اجتماعاً ميدانياً مع أعضاء مجلس الأمن الروسي، يوم الأربعاء، 22 يونيو.
أخطرت ليتوانيا منطقة كالينينغراد الروسية بتقييد عبور البضائع الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي اعتباراً من 18 يونيو الجاري، وتشمل تلك البضائع مواد البناء والمعادن والأخشاب والأسمنت والأسمدة والكحول والكافيار وبعض فئات السلع الأخرى، فيما يبلغ حوالي 50% من السلع العابرة إلى المنطقة.
من جانبه صرح وزير الخارجية الليتواني، غابريليوس لاندسبيرغيس، بأن ليتوانيا تتصرف وفقاً للتوضيحات التي وردت من المفوضية الأوروبية بشأن تدابير الحزمة الرابعة من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، كما لم يتم إيقاف أو حظر العبور البري بين منطقة كالينينغراد بشكل مطلق، ولا يزال عبور الركاب والبضائع غير الخاضعة للعقوبات ساريا.
إلا أن معاهدة الحدود الروسية الليتوانية لعام 2003، وضمان العبور إلى كالينينغراد كان شرطا مهما لانضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وما يحدث الآن هو أن بروكسل وفيلنيوس تنتهكان حزمة الاتفاقيات الموقعة بينهما وبين روسيا، ما يثير تساؤلات حول الحدود الحالية للاتحاد الأوروبي، ويفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات الرد الروسي التي يمكن أن تتضمن إجراءات مؤلمة للغاية.
لهذا فإن تبريرات وزير الخارجية الليتواني مرفوضة شكلاً وموضوعاً، وما تورطت به ليتوانيا بالفعل يعد مسوغاً قانونياً وشرعياً لكي ترد روسيا بقسوة ودون تساهل، لأن الإجراءات الليتوانية تمس جوهر الأمن القومي الروسي باعتدائها الفج والصريح على السيادة ووحدة الأراضي الروسية، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة، حتى لو اضطرت روسيا من أجل ذلك إلى توسيع نطاق عمليتها العسكرية الخاصة لتشمل أراضي ليتوانيا، من أجل تأمين ممر بري آمن يصل الأراضي الروسية بمنطقة كالينينغراد. ذلك أن انتهاك ليتوانيا للاتفاقيات والمعاهدات المبرمة، إنما يحلّ روسيا من شرعية جميع الوثائق الموقعة مع الاتحاد الأوروبي بشأن عضويتها به، ويطلق يد روسيا في حل مشكلة العبور إلى كالينينغراد، بما يتلائم ومتطلبات أمنها القومي. وبالمناسبة، فإذا كان هناك حديث يدور لفترة طويلة حول الحاجة إلى إصلاح الاتحاد الأوروبي، فبإمكان روسيا مد يد العون لـ “الشركاء الأوروبيين” والمساهمة في ذلك، وبدء تعديل بعض الهياكل والكيانات السياسية في الجزء الشرقي منه.
لكن الأهم من ذلك هو أن روسيا قد أثبتت بالدليل القاطع أنها لن تتهاون مع أي قضايا تهدد أمنها ومصالحها، وستسعى دائما إلى إنهاء هيمنة القطب الواحد على العالم، لأن العالم قد ولج بالفعل إلى حقبة التعددية القطبية، وهناك عدد من مراكز القوى في العالم ظهرت في السنوات الأخيرة، ولم يعد من الممكن تجاهلها، أو تجاهل مصالحها، ولم تعد سياسات الإملاء والضغط والعقوبات تليق أو تحرز أي نتائج سوى الضغط على الشعوب، وإلحاق الضرر بها، والتمييز بين عالم “مستغِل” وعالم “مستغَل” يدفع من عرقه ودمه كي يتمتع المواطن الأمريكي والأوروبي بمستوى حياة أفضل، حتى ولو كان ذلك على حساب حروب وصراعات دموية تملأ منطقتنا في الشرق الأوسط وعلى امتداد العالم الثالث.
كذلك فقد أثبتت لنا العملية الروسية في سورية أن أي توتر في الشرق الأوسط يؤدي بالتبعية إلى موجات من الهجرة واللجوء والأزمات في أوروبا، وأن حماية الأمن القومي الروسي، وتحديداً بطن روسيا الرخو في القوقاز، تمتد لتشمل منطقة الشرق الأوسط، القريبة جدا من الحدود الجنوبية لروسيا، وكذلك لأن الأيديولوجية الوهابية المتطرفة وجدت طريقها إلى روسيا انطلاقاً من منطقتنا وبتنسيق من الولايات المتحدة الأمريكية تسعينيات القرن الماضي، حينما كانت روسيا منشغلة بعملية الانتقال إلى نظام سياسي واقتصادي جديد، لوضع نهاية للصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب، ووقف مخاطر سباق التسلح النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وإنهاء الحرب الباردة لإحراز انفراج دولي على جميع الأصعدة. في تلك الآونة اندلع في أماكن مختلفة من البلاد عدد من الحركات الانفصالية والثورات الملونة والانتفاضات مدفوعة الأجر وكذلك انتشرت في القوقاز أوهام الخلافة التي نجحت روسيا في القضاء عليها نهاية القرن الماضي.
لهذا السبب فإن إنشاء روسيا لقاعدة حميميم، وقضائها على جزء كبير من التنظيمات الإرهابية، المدرجة على قوائم الإرهاب، وتحييدها لعدد معتبر من العناصر الإرهابية، القادمة من القوقاز في محاولة لمعاودة إنشاء “الخلافة الإسلامية” في العراق والشام، المتمثلة في تنظيم الدولة الإسلامية، وغيره من التنظيمات الإرهابية، كل ذلك كان جزءاً من حفاظ روسيا على أمنها القومي، إلى جانب مساعدة السوريين في الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها على أراضيها.
من هنا يجب أن يعي الجميع أن روسيا صارمة فيما يتعلق بأمن مواطنيها ووحدة أراضيها وسيادتها ولن تتردد للرد على أي استخدام لأراض مجاورة، سواء في “الناتو” أو في غير “الناتو”، لتهديد أمنها القومي، لأن ذلك خط أحمر ممنوع تجاوزه بأي صورة من الصور، وأي شكل من الأشكال، حتى لو تكلف الأمر اندلاع حرب مع “الناتو”.
من جانب آخر، فقد صرح الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في لقاء له مع قناة “الجزائر الدولية” مؤخرا، بأن العرب يرغبون في سيادة واستقرار المنطقة العربية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، تطال العالم أجمع، وتمس قضايا الغذاء والطاقة والسياحة، وعليه فإن مجموعة الاتصال الوزارية التابعة للجامعة العربية تبحث أفكارا مطروحة بهدف تقريب وجهات النظر للأطراف، ومحاولة التوصل لوقف لإطلاق النار، حيث صرح أبو الغيط أن “العرب ينأون بأنفسهم عن هذا الاحتدام الدولي”، محذرا بأن هذه المواجهة المسلحة والتهديد باستخدام القدرات النووية أمر خطير.
وهنا أضم صوتي إلى صوت الأمين العام لجامعة الدول العربية، ونصيحتي المخلصة للدول العربية التي تستضيف القواعد الأمريكية التفكير جديا في التخلص التدريجي من هذه القواعد، لما يمكن أن يسببه استخدام هذه القواعد من قبل الحلف لتهديد روسيا، وهو ما لن يمر دون عواقب مدمّرة، وأعتقد أن ما يحدث في أوكرانيا الآن، وتداعيات العملية العسكرية الخاصة، وما رأيناه ونراه من بنى تحتية ظل الحلف يبنيها طوال السنوات الثمان الماضية على أراضي هذه الدولة، وما نراه من مرتزقة يحاربون في صفوف المتطرفين الأوكرانيين، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على صحة وجهة النظر الروسية، وبعد مداها، بعد أن هدأ غبار المعركة، وبدأ العالم الآن، وعلى رأسه الشعوب الأوروبية، في استيعاب حقيقة الموقف، وتفهّم أن النخب الأوروبية، تتحرك كدمى في يد واشنطن، والنظام النازي المطبق على حكم أوكرانيا ليس سوى قفاز أمريكي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ مخططاتها ضد روسيا، التي تصنفها كعدو.
أتمنى كذلك أن يستوعب “الناتو” خطورة تصعيد التوتر مع روسيا، وما يمكن أن يسفر عنه اللعب بالنار، من إمداد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الهجومية، وقطع طرق الإمدادات إلى الغرب الروسي، وربما هناك المزيد من التوترات المزمعة في ترانسنيستريا مع مولدوفا، أو إشعال توترات أخرى، كرد فعل على هزيمة المخطط الأمريكي في أوكرانيا، ونجاح العملية الخاصة الروسية.
في كلمته لتحية المشاركين في منتدى أعمال “بريكس”، الأربعاء 22 يونيو، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن العمل الآن يجري على إنشاء عملة احتياط دولية على أساس سلة عملات “بريكس”، للابتعاد عن السياسات غير المسؤولة من جانب الغرب، على مستوى الاقتصاد الكلي، بما في ذلك الإطلاق غير المسؤول لطباعة الأموال غير المغطاة، والضخ غير المسيطر عليه، ونمو الديون غير المضمونة، وهو ما دفع بالتضخم إلى مستويات غير مسبوقة حول العالم. ولا شك أن تلك المساعي تؤكد على أن الظروف الدولية تتغير فعليا كل ساعة لا كل يوم، بينما يقترب اليوم، ربما بنهاية العملية العسكرية الخاصة ونجاح كافة أهدافها في أوكرانيا، الذي يتحرر فيه العالم من الهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية والغربية، بحثا عن نظام اقتصادي أكثر عدلا وإنصافا وسلامة.
ولا بعيد على الله أن تقدم الدول العربية، ربما قريبا، على القيام بعملية عسكرية خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، تهدف إلى إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، وتجبر إسرائيل على الانصياع لقرار مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة رقم 242.
#مرايا_الدولية