نيكولاي بلاتونوفيتش، ستعقد الولايات المتحدة في غضون الأيام القليلة القادمة “القمة الثانية من أجل الديمقراطية”
والتي وكما ذكرت وزارة الخارجية، ستقوم واشنطن بمحصلة نتائجها بتسريع ما يسمى بالتحديث الديمقراطي للعالم. ما رأيكم في هذه الفعالية ؟
باتروشيف: بالطبع تُعقد “القمة من أجل الديمقراطية” التي نظمها جهاز البيت الأبيض الحالي، في إطار السباق الرئاسي الأمريكي الذي بدأ بالفعل.
وسيكون تجمعاً آخر لصالح عالم تريد أن تلعب واشنطن فيه دوراً مركزيا إلى الأبد،ومن المتوقع أن يُطلق على المعارضين صفة ” الدول غير ديمقراطية”.
وستعلن الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى، المدافع عن القانون الدولي، وفي الوقت نفسه ستعلن حتما أن على العالم أن يعيشوفق قواعدها، وستنطلق من على المنصة بشأن المعارضين الجيو/ سياسيين، تهم كاذبة عن قصد بارتكاب جرائم حرب وفساد، ولكن، كالعادة، سيغضون النظر عن الإعمال الحقيقية للإبادة الجماعية والخدع المالية التي تتم بموافقة البيت الأبيض.
وسيتم تقديم وعود ببذل جهود لإطعام الجياع وتخليص المحكوم عليهم ظلماً ولكن سيسكتون على أن حوالي خُمس سجناء العالم يقبعونفي السجون الأمريكية، من بينهم مسجونون عدة فترات بالسجن مدى الحياة، وسيدافعون بحمية خاصة عن حقوق الأقليات الجنسية وفرض ” جدول أعمال الطاقة الخضراء” على العالم بأسره، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة في البلدان ـ الأذناب.
إن الولايات المتحدة، التي عينت نفسها ديكتاتورا رئيسياً في العالم،في الوقت الذي ستتحدث فيه بنفاق عن حرية الاختيار، فإنها في الواقع وببساطة ستسخر من الدول التي قامت بنفسها بانتهاكسيادتها وحكم الشعب فيها.
من دون شك سيقولون إن الولايات المتحدة مثال للديمقراطية للبشرية جمعاء، زد على ذلك أن المجتمعين، بالطبع، لا يحبذون سماع انتقادات لهم ؟
باتروشيف: بالطبع، فالمهمة الرئيسية للنظام السياسي في الولايات المتحدة الحديثة هي تظليل سكانه في سياق الأزمة المنهجية التي وجدوا أنفسهم فيها.
إن ديمقراطيتهم هي مجرد واجهة جميلة لنظام الدولة الهادف لإخفاء وتجاهل حقوق الأمريكيين العاديين، إن مَن درس بعناية النظام القانوني والاجتماعي والسياسي للولايات المتحدة، ليس لديه أوهام بصدد حرية التعبير وإبداء الإرادة في هذه البلد. فعن أي حرية الرأي يمكن الحديث، عندما يُمنع حتى الرئيس السابق للولايات المتحدة من الإدلاء برأيه على الشبكات الاجتماعية والصحافة بشأن مواضيع تحظى باهتمام المجتمع، وتُعد وسائل الإعلام بوق لأكبر الشركات والجماعات النخبوية.
إن السلطات الأمريكية في الوقت الذي تدافع فيه بالكلام عن المنافسة، جعلت اقتصاد البلاد يعتمد على علاقات الفساد وجماعات الضغط التي تمتد إلى البيت الأبيض والكابيتول. وتحولت العملية السياسية إلى صدام بين الشركات التي وزعت أشخاصها في أجهزة السلطة الرئيسية، إنهم يصوغون السياسة الخارجية، ويسعون إلى الحفاظ على الهيمنة الدولية، ويخلقون بؤر توتر في جميع أنحاء العالم من أجل كسب مليارات الأرباح من مختلف العقود، في التفاف على الشفافية المزعومة التي يسيطرون عليها بأنفسهم.
وفي الوقت الذي ترفع فيه واشنطن، بمناسبة وفي غير مناسبة، شعارات ديمقراطية، فإنها في الواقع أحرزت منذ زمن بعيد، قصب السبق في انتهاك سيادة الدول، وفي عدد إشعال الحروب والنزاعات، وملاحقة مواطني البلدان الأخرى بصورة فجة وغير مشروعة.
وإذا قررت الولايات المتحدة فعلا التحرك نحو الديمقراطية، والكف عن إذلال حلفائها ـ التابعين، فإننا سنرحب بذلك.
سنسمع في القمة أيضاً خطابات حماسية عن كيف تواجه أوكرانيا، وبدعم من الناتو” الطيب”، “الشر العالمي” المُمَثل بروسيا ؟
باتروشيف: أنا على يقين من أن هذا الموضوع سيصبح أحد الموضوعات الرئيسية، وفي الواقع، أن دول الناتو طرفا في النزاع. جعلوا من أوكرانيا معسكراُ عسكريا كبيراً، يرسلون أسلحة وذخائر إلى القوات الأوكرانية ويزودونها بمعطيات تجسسية، بما في ذلكبمساعدة مجموعة الأقمار الاصطناعية، وبعدد كبير من الطائرات دون طيار. ويقوم مدربو ومستشارو الناتو بتدريب الجيش الأوكراني، ويقاتل المرتزقة في كتائب النازيين الجدد. وإذ يحاولون إطالة هذه المواجهة العسكرية لأطول مدة ممكنة، لا يخفون هدفهم الرئيس، والمتمثل بإلحاق الهزيمة بروسيا في ساحة المعركة،ولاحقا تفكيكها.
إن نهج واشنطن هذا لم يتغير، لأن النخبة الأمريكية لم ترغب أبداً في قبول روسيا قوية ومستقلة؟
باتروشيف: صحيح، كحد أدنى منذ عام 1945، فإن مصدر أي تصعيد للتوترات على نطاق عالمي يكمن في رغبة السلطات الأمريكية، التي لا رادع لها، في الحفاظ على دور مهيمن في العالم. وكما يعتقدون فأن قوتين عظميين، روسيا والصين، تمنعهما الآن من القيام بذلك، روسيا الاتحادية لكونها ليس وحسب تنتهج سياسة مستقلة لتعزيز عالم متعدد الأقطاب، بل وتتفوق من نواح كثيرة على أمريكا من الزاوية الروحية والأخلاقية والعسكرية. والصين تُعد المنافس الاقتصادي الرئيس للولايات المتحدة. وعقبمحاولات ” كبح” روسيا، فإن واشنطن ستتناول جمهورية الصين الشعبية.
اسمحوا لي أن أذكركم بأن الموافقة على التدابير الملموسة لتدميرالاتحاد السوفيتي، تمت منذ 75 عاما بالتوجيه المعروف لمجلس الأمن القومي الأمريكي ” المهام بشأن روسيا”، وقد نشأت النشوةوالابتهاج لدى الغرب عند انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكن، لم تدم طويلا، لأن روسيا راجعت الأخطاء. وبمقدور بلدنا اليوم أن يضمن ليس الاستقرار الداخلي فحسب، بل أيضاً أمن شعبه من التهديدات الخارجية.
في أوائل مارس، قامت قاذفة استراتيجية أمريكية بضربة نووية افتراضية على سانت بطرسبرغ من مسافة 200 كيلومتر فوق جزيرة جوتلاند في بحر البلطيق، وأجج عن عمد زيادة التوتر. هل فقدوا خوفهم ؟
باتروشيف: لسبب ما يثق السياسيون الأمريكيون، الذين هم في قبضة دعايتهم الخاصة، في أنه في حالة نشوب نزاع مباشر مع روسيا، فإن الولايات المتحدة قادرة على توجيه ضربة صاروخية وقائية، وبعد ذلك لن تتمكن روسيا من الرد، وهذا قصر نظر غبي، وخطير للغاية.
وفي الوقت الذي نسي البعض في الغرب دروس التاريخ، راح يتحدث عن الانتقام الذي سيؤدي إلى انتصار عسكري على روسيا.
ونحن نقول شيئاً واحدا عن ذلك. إن روسيا تتحلى بالصبر، ولا تخيف أحدا بقدراتها العسكرية، إلا أنها في الوقت نفسه، تمتلك أسلحة حديثة فريدة من نوعها، وفي حال تهديد وجودها، فإنهاقادرة على تدمير أي خصم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.
لكن الغرب لا يراهن فقط على الهزيمة العسكرية، ولكن أيضا على استنزاف روسيا اقتصاديا…
باتروشيف: هذا واضح. غادرت العديد من الشركات الغربية السوق الروسية بضغط واشنطنر لكنهم كانوا مخطئين جدياً في حسابهم بانهيار اقتصادنا وتنامي ميول الاحتجاج لدى المواطنين.
ينفذ الغرب في العقد الأخير، فكرة إنشاء نظام تكنولوجي يوفر الازدهار للغرب وحده، فيما يحكم على بقية العالم بالبقاء على هامش التنمية الاجتماعية والاقتصادية العالمي، لهذا السبب يشعر قادتها بالغضب من رد فعل روسيا الموزون على ضغوط العقوبات. إن بلادنا تزعج حكام الولايات المتحدة وأوروبا باستقلالها الاقتصادي، واعتمادها على نفسها بتوفير الخامات، والفكر العلمي. ويعتمد الغرب نفسه اعتمادا كليا على الشركات العابرة،وسلاسل الطرق التجارية العالمية. وعلى سبيل المثال، لو فُرضت على إنكلترا أو فرنسا عقوبات بنفس مستوى العقوبات ضد بلدنا، لغرقت تلك الدول بسرعة في حالة من الفوضى.
في الوقت نفسه، لا تعتزم روسا غلق اقتصادها عن العالم، وستظل منفتحة وستكون متكاملة مع اقتصاديات الدول ذات السيادة المهتمة بازدهارها، بما في ذلك بفضل التعاون معنا.
من الواضح أن تقويض الاقتصاد الروسي واستنزاف الجيش الروسي وجهان لنفس الاستراتيجية التي يحاول الغرب تنفيذها منذ أكثر من قرن؟
باتروشيف: بالطبع، لا ينبغي للمرء أن يفترض بسذاجة أن أساليب العدوان الاقتصادي هي أكثر ليونة وأكثر إنسانية على سبيل المثال أوقفت الدول الأوروبية واليابان توريدات عدد من الأدوية إلى روسيا، من بينها تلك الأدوية الحيوية، وفي هذا الصدد، يواصل قطاع الصيدلة الغربي بصورة ملاءمة “تقاليد” أسلافه. من المعروف أن معظم هذه الشركات نفسها عملت حينها على تطوير الغازات السامة، وغرف الغاز، بناء على طلب ألمانيا النازية، أي أنهم دعموابصورة تامة أيديولوجية الإبادة الجماعية للشعوب التي تسمى ” الفائضة عن الحاجة”.
دعونا نتذكر كيف احتضن الأنجلوـ ساكسون النازيين في الثلاثينيات، على أمل توجيههم ضد الاتحاد السوفيتي، وإذ جنت واشنطن ولندن المكاسب المالية والجيوسياسية من نتائج الحرب العالمية الثانية، فإنهما تغضان اليوم النظر مرة أخرى عن النازية والفاشية. وفي الوقت الذي تستخدمان أوكرانيا، لا تعترضان إشعالنزاع أوروبي شامل أو حتى عالمي، ويتخيلون هناك أنهم يستطيعون الإفلات من كل شيء.
يتولد انطباع بأن الغرب الجماعي، من حيث المبدأ، لا يعتزم أخذ العبر من الماضي.
باتروشيف: إن ” الأممية” الغربية وقفت ضد بلادنا أكثر من مرة. تارة تحت رايات البولنديين والسويديين، وتارة مع نسور نابليون، أوتحت العلم البريطاني، أو تحت الصليب المعقوف النازي. والنتيجة واحدة – إن كل المحاولات لتدمير روسيا قد باءت بالفشل. وفي الوقت الذي لا يرغب الغربيون استقاء الدروس، فإنهم يتصرفون بشكل مغامر.
كما أن واشنطن غير مرتاحة للاستقرار في آسيا، الذي نشأ نتيجة الحرب العالمية الثانية وحركات التحرر.
وتقوم استراتيجية الولايات المتحدة في المحيط الهادئ على محاولة إنشاء “ناتو” آسيوي. وسيصبح التحالف الجديد حلفا عدوانيا جديدا، موجهة ضد الصين وروسيا، وفي نفس الوقت قمع الدول المستقلة الآن.
إن لإعادة تسليح البحرية الأسترالية في ظل تحالف ” آوكوس” الجديد، بما في ذلك إمداده بالغواصات النووية، وتقديم الدعم العسكري لتايوان وكوريا الجنوبية، هدف طويل الأجل يرمي إلى ترسيخ هيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على أوراسيا من جناحها الشرقي.
لقد دفعت واشنطن طوكيو نحو نشر روح عسكرية جديدة. وأصبحت قوات الدفاع الذاتي اليابانية جيش ذا مؤهلات كاملة قادرا على القيام بعمليات هجومية. وقد أقر القانون الياباني ذلك قضائيا، وهو في الواقع انتهاك صارخ لواحدة من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت الذي راهن على الأسلحة الهجومية، أعلن رئيس الوزراء كيشيدا أن بلاده ستحصل على 400 صاروخ توماهوك كروز من الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى تسليحها لليابان، تحاول واشنطن إحياء الروح العسكرية اليابانية، التي يبدو أنه تم القضاء عليها في عام 1945. ويتولد انطباع بأنهم يرمون جعل سكان الدولة / الجزيرة مرة أخرى كاميكازي، يموتون من أجل مصالح الآخرين. لا يود الغربيون أن يتذكروا، وعن عمد يلتزمون الصمت بشأن كيف استخدموا في بداية القرن العشرين عداوتهم ضد الاتحاد السوفيتي والصين، وبالمحصلة أدار اليابانيون أسلحتهم ضد الأمريكيين والبريطانيين وحلفائهم .
في الوقت نفسه، لا “ينسى” السياسيون الأمريكيون والأوروبيون اليوم الحقائق المزعجة من الماضي فحسب، بل يعيدون أيضا وبوعي كتابة التاريخ، حتى بما ويتنافى مع العقل السليم. ويظهر ذلك بالطريقة المرائية لإطلاق حملة إعادة تأهيل النازية. حتى أنهم اختلقوا أن الأوكرانيين وحدهم حرروا أوروبا من النازيين. ويتم الترويج لأسطورة المجاعة الكبرى كعمل من أعمال الإبادة الجماعية.
باتروشيف: إن أولئك الذين يعرفون التاريخ، ولا يحاولون تزويره،يعرفون بصورة جيدة أن الوضع الغذائي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي كان في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، أسوأ مما كان عليه في أوكرانيا. وهذا موثق، وهناك الكثير من الحقائق.
وكمثال على ذلك يمكن الاستشهاد بالسيرة الذاتية لبطل الاتحاد السوفيتي غريغوري إيفانوفيتش بويارينوف، الذي تم الاحتفال بذكرى مرور مئة عام على ميلاده في نهاية العام الماضي. والمعرف إن ضابط المخابرات الذي شارك في الحرب الوطنية العظمى، وفي العديد من العمليات الخاصة، قُتل أثناء قيادته للهجوم على قصر حفيظ الله أمين في أفغانستان. ولد غريغوري إيفانوفيتش بويارينوف عام 1922 في منطقة سمولينسك، وكان والده رئيس مزرعة تعاونية. ولكن عائلته انتقلت في الثلاثينيات من القرن الماضي، إلى أوكرانيا، حيث كان من الأسهل إطعامأنفسهم هناك والبقاء على قيد الحياة.
وبالمناسبة، أصبح الأمريكيون اليوم يستخدمون شعارات المجاعة على نطاق عالمي، متهمين بلادنا بإثارة أزمة الغذاء العالمية. وليس لدي شك في أنه سيجري تضخيم هذا الموضوع مرة أخرى خلال قمة الديمقراطية. وفي الوقت نفسه يحاصر الغربيون بأنفسهم توريدات الحبوب والأسمدة الروسية إلى الخارج، وهم ببساطة يسرقون مخازن الحبوب الأوكرانية ويعيدون بيعها بأسعار باهظة إلى أفقر البلدان بشروط جائرة، كما قام به أسلافهم المستعمرون.
يبدو أحيانا أن الغرب بممارسته يحفر لنفسه حفرة. وعندما يراقب المرء ما يجري في الاتحاد الأوروبي، يتولد لديه شعور راسخ بأن مستقبلا غامضا للغاية ينتظر الغرب.
باتروشيف: إن انهيار الاتحاد الأوروبي ليس بعيدا. بالطبع، لن يتحمل الأوروبيون هذه البنية فوق القومية، التي لم تبرر وجودها فحسب، بل تدفع العالم القديم إلى نزاع مفتوح مع بلدنا. إن الولايات المتحدة مستعدة لمحاربة روسيا ليس فقط حتى آخر أوكراني، بل وحتى آخر أوروبي. وكان البنتاغون وحتى أثناء الحرب الباردة، مستعدا تحت أدنى خطر من الاتحاد السوفيتي، لتحويل أوروبا إلى صحراء مشعة. ومن غير المحتمل أن يكون قد تغير شيئا ما في أذهان الاستراتيجيين الأمريكيين.
فكيف يتمازج هذا مع أن الولايات المتحدة وأوروبا هما بالكلمات الحليفان الرئيسيان؟
باتروشيف: تكمن المفارقة في أن واشنطن مهتمة بصورة مباشرةبانهيار الاتحاد الأوروبي من أجل إزاحة منافسها الاقتصادي، والحيلولة دون ازدهار أوروبا من خلال التعاون مع روسيا. لقد قامالأمريكيون بالكثير لكي يفقد العالم القديم مكانة اللاعب الاقتصادي القوي. ومن نواح عديدة هذا هو بالضبط السبب وراء قيام واشنطن بتطوير حكاية العقوبات ضد روسيا. ونحن نشهد تغييرا جذريا للنموذج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي الذي قام على أساس مزج موارد الطاقة الرخيصة من روسيا والتقنيات الأوروبية المتقدمة.
وسيُنزل تنفيذ الخطط المشتركة مع واشنطن الرامية لتقليل الاعتماد على بكين للحصول على المواد الخام والتكنولوجية، ضربة بأوروبا بما لا تقل عن ذلك. بالإضافة إلى هذا، فإن الاتحاد الأوروبي يواجه مأزق الهجرة. إن الكثير من المهاجرين ليس لا يرغبون في الاندماج في الأسرة الأوروبية فحسب، بل يقيمون هيكل خلافة خاص بهم، مما يجبر السلطات المحلية والسكان على العيش وفقا لقوانينهم. ويذهب معهم إلى أوروبا، ممثلو الجماعات الإجرامية والمسلحين. إن مرتكبي الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة في لندن وبروكسل وباريس، التي كانت لها أصداء واسعة، كانوا من مواطني الاتحاد الأوروبي – المنحدرين من المناطق القومية المعزولة الموجودة في أوروبا.
وإذا تذكرنا أن الولايات المتحدة أنشأت في حينها القاعدة وداعش (المنظمات الإرهابية الدولية المحظورة في روسيا الاتحادية) وغيرها من المنظمات الإرهابية، ويتولى مدربون من وكالة المخابرات المركزية تدريب الإرهابيين في سوريا والعراق، فلا يُستبعد أن يكون قد وقف وراء تحضير الأعمال الإرهابية في أوروبا نفس الأشخاص الذين يهدفون إلى زعزعة استقرار الوضع في القارة التي لا تبالي الولايات المتحدة بمستقبلها.
وتهيمن الولايات المتحدة على أوروبا، متجاهلة حقيقة أن الدور القيادي في القارة قد تم إسناده تاريخيا لروسيا. في القرن التاسع عشر للإمبراطورية الروسية، وفي القرن العشرين للاتحاد السوفيتي. وعلى هذا النحو سيكون في القرن الحادي والعشرين.
هل تثق الولايات المتحدة برسوخها؟ في رأيهم أن الغروب يمكن أن يهدد الجميع، ولكن ليس هم؟ وأرى أن أخطارالتفكك تهدد الولايات المتحدة.
باتروشيف: لقد اكتسبت الولايات المتحدة مكانة قوة عظمى من خلال الإنجازات الاقتصادية القائمة على الممارسات الوقحة بالاستيلاء على الأراضي، والموارد، واستغلال الشعوب، والاستفادة من المشاكل العسكرية للدول الأخرى. في الوقت نفسه ظلوا لحافا مرقعا، يمكن أن يتشتت بسهولة عند اللحامات. دعنا نقل، كما كان في الأصل، مقسمة إلى شمال وجنوب. علاوة على ذلك، لا يمكن لأحد أن يستبعد أن الجنوب سيتجه نحو المكسيك، التي استولى الأمريكيون على أراضيها عام 1848. وهذه الأراضي تبلغ أكثر من مليوني كيلومتر مربع. وبالمناسبة، لا يخفي قادة أمريكا اللاتينية بأن الوعي بالدور المدمر للولايات المتحدة صار في كل مكان. ويعتبر إنشاء قاعدة غوانتانامو سرقة مباشرة للسيادة الكوبية. وهذا مجرد مثال واحد من العديد من الأمثلة على التعديات المنهجية على استقلال دول أمريكا اللاتينية. ليس هناك شك في أن الجيران الجنوبيين للولايات المتحدة سوف يستعيدون الأراضي المسروقة منهم عاجلا أم آجلا.
بالإضافة إلى ذلك ، هناك العديد من التناقضات الداخلية في الولايات المتحدة. لا توجد وحدة حتى في النخبة الأمريكية نفسها.
باتروشيف: صحيح. العداء بين الجمهوريين والديمقراطيين يشتد وحسب. وتتنامى التناقضات بين مختلف الهياكل المالية والشركات العابرة للقومية التي تهتم فقط برساميلها، وليس برفاهية أمريكا. أن النخب الأمريكية التي تغتر بحصانتها، لم تربط نفسها أبدا بالشعب الأمريكي.
إن مشاريعهم مثل BLM ، أي “حياة السود مهمة”، وغرس نظريات المتحولين جنسياً على الجميع بلا استثناء، الهادفة إلى التشويه الروحي للسكان، الذين يمرون في حالة اللامبالاة. أن النزعة الفردية والاستهلاكية التي نشأت لدى الأمريكيين ستضع بلادهم في موقف محرج. إن المواطنين العاديين لن يحركوا ساكناً من أجل الحفاظ على وحدة أمريكا، مدركين أن سلطاتهم ليسوا بحاجة إليها. إن سلطات الولايات المتحدة إذ لا ترى ما تقوم به، فإنها تدمر نفسها بنفسها خطوة بخطوة.
تكمن مشكلة أمريكا في أنها لعبت الكثير في الألعاب الجيوسياسية، متناسية مشاكلها الملحة. وبينما تبتكر الولايات المتحدة في مختبراتها البيولوجية العسكرية، فيروسات جديدة لتدمير شعوب البلدان غير الصالحة، تغرق المدن الأمريكية التي كانت نظيفة في السابق، في الوحل والقمامة.
إن الهرم المالي الأمريكي، الذي بني من خلال طبع الأوراق النقدية، يفشل مرة بعد أخرى بصورة ملموسة. إن نموذج إصدار الأوراقالنقدية غير المنضبط، الذي عند أي مشكلة اقتصادية يجري بكل معنى الكلمة إغراقها بالأموال، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وإزاء وجود ديون خارجية بأكثر من 31.5 تريليونَ دولار، فإن الولايات المتحدة تسير بثقة أكبر نحو التخلف عن تسديد ديونها. إن انخفاض مستوى الثقة بالدولار، غير المدعوم بالسلع الحقيقية، وكذلك نظام عمليات المضاربة المتضخمة في سوق الأوراق المالية، سيؤدي بالولايات إلى أزمة مالية عميقة.
ومهما بدا الكلام ذا نبرة حماسية، فإن الروس لا يريدون الحرب فحسب، لكنهم أيضاً لا يرغبون بهلاك الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى.
باتروشيف: أتفق معكم تماما. تقوم ثقافتنا التي تعود إلى قرون على الروحانية والرحمة والتعاطف. إن روسيا تاريخيا مدافع عن السيادة وكيان دولة أي شعب لجأ إليها طلبا للمساعدة. لقد أنقذت الولايات المتحدة في الأقل مرتين، وذلك خلال حرب الاستقلال، وخلال الحرب الأهلية. لكنني أعتقد من غير المناسب مساعدة الولايات المتحدة هذه المرة في الحفاظ على وحدة أراضيها.
#مرايا_الدولية