
الكاتب والمحلل السياسي// رامي الشاعر
في الوقت الذي تسير فيه المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة، لاتبدو عملية الاعتراف الغربي بالمطالب الروسية في المسألة الأوكرانية محض قضية بين روسيا والغرب وحسب، بقدر ماهي مسألة أمن دولي و إقليمي تلقي بظلالها على قلب القارة الأوروبية ومعه الشرق الأوسط، خصوصاً وأن مايجري وجرى من محادثات في هذا الشأن لم يتوقف عند اتفاقيات مينسك وحسب، بل تعدتها إلى جملة من المحادثات المرتبطة بقضايا الشرق الأوسط وحل الدولتين، لاسيما وأن المحادثات الأخيرة كانت برعاية من المملكة العربية السعودية كقوة مركزية عربية وإسلامية في الشرق الأوسط، وبالتالي تصبح جميع القضايا الدولية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصدقية المحادثات بين الدولتين العظميين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.
مايثبت تلك الفرضية التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي أعرب أن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة قريباً، وبالتالي اعتراف دولة محورية في حلف الغرب الأطلسي، بأن أمن الشرق الاوسط من أمن أوروبا والعالم ، وهي الاستراتيجية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعقيدة السياسة الروسية منذ الاتحاد السوفياتي السابق. ولهذا بدأ العالم الغربي يستوعب انه لا يجوز السكوت على جرائم إسرائيل اليومية ضد الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يرفع فيه الغرب شعارات الحرية، وحقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي أصبحت حبراً على ورق المصالح الذاتية الغربية في منطقة الشرق الأوسط، بحيث ظهرت إسرائيل كدولة فوق الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
تعيش السياسية الأمريكية اليوم حالة قلقة في معرض تعاملها مع روسيا، فهي – أي الولايات المتحدة- مازالت تعيش في عقدة الاتحاد السوفياتي، والإرث الذي خلفته عقيدة الحرب الباردة، وهي التركة التي تحاول التخلص منها بالانفتاح على المحادثات مع روسيا تارة، وتارة أخرى من خلال الخطوات الأمريكية في تعاملها مع دول الناتو ، والدعوة الأمريكية لأن تكون تلك الدول قادرة على الدفاع عن نفسها، الأمر الذي يشير إلى رغبة أمريكية لطي صفحة ” ثقافة الغرب الأطلسي ” الذي تأسست عليه فكرة حلف الناتو، والذي جمع بين جغرافيات لشعوب متباعدة ثقافياً واقتصادياً وإيديولوجياً، طرفاها الولايات المتحدة وشريكها الجيواستراتيجي المفترض ( أوروبا) كعقيدة تعود لأيام الصراع الإيديولوجي أبان الحرب الباردة، متجاهلةً التحولات البنيوية في النظام الدولي الجديد الذي أصبح يجنح لأدوات التنافس بأبعاد اقتصادية تمهد لتحالفات سياسية واضحة، وهو ماظهر جلياً في مجموعة بريكس التي تكاد تجعل من آسيا تكتل صديق، وهو التكتل الذي يهدد الاستراتيجية الأمريكية ليس في أوروبا وحسب، وإنما في العالم ، مايزيد من فرضية عدم استعداء روسيا، كدولة تتموضع جيوسياساً في قلب الأرض الأوراسي.
بين هذا وذاك، تبدو الزيارة الأخيرة لبنيامين نتنياهو إلى واشنطن هي المحك لمدى مصداقية ترامب ومدى قدرته على قراءة تحولات القوة، والواقع الدولي الجديد في التعامل بخصوص ما أعلن عنه فيما يخصّ جميع الملفات العالقة مع روسيا، والتي لايمكن حلحلتها دون الاعتراف – بادئ ذي بدء- بالدولة الفلسطينية المستقلة، كعقيدة راسخة في السياسة الروسية، التي ترى أنه لاحل دون التوافق على حل بشأن القضية الفلسطينية، التي تستنزف الشرقب الأوسط برمته منذ مايقارب مئة عام من الصراع، وبالتالي فإن حل هذه القضية، سيكون المقدمة لحل الأزمة العالمية المحتدمة بين الغرب وروسيا، ناهيك عن مركزيتها في حل جميع قضايا الشرق الأوسط، لاعتبار وحيد مفاده، أن روسيا لا يمكن أن تتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية، و كل الجهود التي تبذلها للوساطات بين الولايات المتحدة الامريكية و روسيا سواء عن طريق المملكة السعودية أو الإمارات أو قطر او البحرين أو مصر أو الأردن هدفها واحد، ألا وهو تحرير فلسطين وإعلان الدولة الفلسطينية.
#مرايا_الدولية