دولي

الإدارة الأمريكية وعلاج الخرف المزمن

ترامب شريك في الابادة

الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر 

لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر مورد للمعدات العسكرية لإسرائيل، حيث تمثل واردات الأسلحة الأمريكية نحو 70% من واردات إسرائيل.

ولا شك أن الولايات المتحدة، وبشكل مباشر وعلني وصريح، متواطئة ومتورطة في الإبادة الجماعية التي يمارسها جيش “الدفاع” الإسرائيلي ضد المدنيين العزل في غزة، سواء بالمعلومات الاستخباراتية من الأقمار الاصطناعية العسكرية، أو بالأسلحة المميتة التي يستخدمها “الجيش الإسرائيلي” ضد المواطنين الفلسطينيين في غزة، أو بحق النقض “الفيتو” الذي تستخدمه الولايات المتحدة في أي قرار يجرؤ على المساس بإسرائيل، أو يقول كلمة حق فيما يخص الإبادة والتهجير والتجويع التي تمارسها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني.

في الأيام الأخيرة أبلغت إدارة ترامب الكونغرس عن خططها لبيع أسلحة بقيمة تقارب 6 مليار دولار أمريكي لإسرائيل، في موجة دعم جديدة للحليف الأقرب للولايات المتحدة في ظل تزايد عزلته وعزلة الولايات المتحدة بسبب الحرب في غزة.

تشمل الصفقة 30 مروحية “أباتشي” (بقيمة 3.8 مليار دولار)، ما يضاعف تقريباً مخزونات إسرائيل الحالية، و3200 مدرعة هجومية للجيش الإسرائيلي (بقيمة 1.9 مليار دولار).

ثم يخرج علينا بعد ذلك السيد ترامب، ويتجاهل مشاركته في الحرب بفلسطين، ويطرح نفسه “راعيا للسلام”، بل ويرشحه البعض لجائزة نوبل للسلام، بعد أن اعترف، في ولايته الأولى، بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبسلطة إسرائيل على الجولان المحتلة، وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني.

إن الأحداث في الأراضي المحتلة هي بالفعل المقياس الأساسي لأي دور سلام في العالم، وهي المعيار لإنهاء أي حروب وتوترات وصراعات في العالم، ذلك أنها ليست فقط حرباً بين جيشين أو قوتين عسكريتين متكافئتين، وإنما هي جريمة إبادة جماعية ضد شعب أعزل بأكمله، جريمة مركبة تشمل إلى جانب القصف اليومي للمدنيين، الذي يطال ما يصل إلى 100 مدني يقتل يوميا، وما يصل وفقا لبعض التقديرات إلى 200 ألف قتيل منذ بداية الحرب، تشمل التهجير القسري، والتجويع، واستخدام المساعدات الإنسانية كسلاح، ودفع 2 مليون من أبناء الشعب الفلسطيني إلى أكبر معسكر تعذيب عرفته البشرية.

السيد ترامب ربما يتجاهل أيضاً الوضع في أوكرانيا، بعد أن استوعب أنها حرب خاسرة ضد روسيا، بادر البيت الأبيض بالتخطيط لها، والتنسيق مع النظام الأوكراني الانقلابي لاستنزاف روسيا على حساب أرواح الشعب الأوكراني الشقيق.

لا يذكر السيد ترامب ربما أيضاً الانسحاب المخزي للقوات الأمريكية من أفغانستان، والذي شاهده العالم أجمع على شاشات التلفزيون بالصوت والصورة، ويعلن عن رغبة مريضة “باستعادة القاعدة الجوية الأمريكية في أفغانستان”.

إنه خرف مزمن، لا يعاني منه ترامب وحده، وإنما الإدارة الأمريكية برمتها، التي تتخبط في تقييماتها وتقديراتها بين “خيبة أمل” من الرئيس بوتين، ثم “مديح” له في اليوم التالي. ولننتظر ما ستقوله هذه الإدارة تعقيبا على القمة الروسية العربية في موسكو منتصف الشهر المقبل، لا سيما وأنها وجهت بالفعل إنذارات للدول العربية برغبتها في عودة قاعدتها الجوية إلى أفغانستان، ما يعني أنها قررت تعزيز قواعدها العسكرية بالقرب من روسيا في دول الخليج، في سعي مع سبق الإصرار والترصد للسير على منحدر مواجهة روسيا والعالم الذي انطلق في مسار التعددية القطبية.

ولا شك أن مؤتمر حل الدولتين في نيويورك الذي سيعقد اليوم بمبادرة من فرنسا والمملكة العربية السعودية على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يشكل صفعة للإدارة الأمريكية الحالية، والتي تؤكد يوما بعد يوم تورطها في قتل النساء والأطفال العزل. والاعتراف مؤخراً من بعض الدول الغربية ومنها بريطانيا وكندا وأستراليا بالدولة الفلسطينية هو مؤشر واضح على استيعاب هذه الدول لمغبة التورط في حرب على روسيا بأيدي أوكرانيا بإيعاز من واشنطن، وبدأت بوادر تراجعها، سواء في الملف الفلسطيني إلى جانب إسرائيل، او في الملف الأوكراني إلى جانب الولايات المتحدة.

إن المطلوب اليوم ليس فقط جلوس روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات، وإنما جلوس روسيا و”الناتو” إلى طاولة المفاوضات، حيث أن جذور المشكلة الأوكرانية هي تمدد الحلف شرقا، ومحاولته ضم أوكرانيا، وانسحاق النظام الأوكراني الانقلابي في كييف أمام الإرادة السياسية للحلف.

لقد تجاوز عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 أكثر من 150 دولة من مجموع 193 دولة أعضاء الأمم المتحدة. فهل يمكن أن يكون ذلك، إلى جانب الهزيمة في أوكرانيا، جرعة العلاج الضرورية للإدارة الأمريكية من داء الخرف المزمن الذي تعانيه.

#مراياـالدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى