
غنوة السمرة|مرايا الدولية
مؤتمر “السلام والأمن في الشرق الأوسط” بحسب التعريف الرسمي هو اجتماع على مستوى وزاري أقيم بدعوة أميركية واتخذ من عاصمة بولندا “وارسو” مقراً لانعقاده يرجع سبب اختيار وارسو بالتحديد إلى طموح بولندا -كدولة متوسطة الحجم-أن تلعب دوراً بارزاً على الساحة العالمية والأوربية، حيث تتمتع بعضوية غير دائمة في مجلس الأمن لعامي 2018 و2019، وتأمل في أن يضعها استضافة مثل هذا التجمع في مكانة عالمية مرموقة.
جاءت فكرة المؤتمر في البداية كمقترح أمريكي لعقد اجتماع دولي من أجل الضغط على إيران، إلا أن عدداً من الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة لم يبدوا حماسا للفكرة.
لكن الواقع أثبت أن التركيز على إيران فقط من شأنه أن يسلط الضوء على الانقسام في المعسكر الأوروبي في أعقاب قرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران وقوى الغرب.
لذلك تم التوسع في أجندة المؤتمر ليكون اجتماعاً على المستوى الوزاري “يروج لمستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط.” ولم يرد اسم إيران في جدول أعمال المؤتمر بعد أن توسع ليشمل بعض القضايا العامة مثل تحديات الأوضاع الإنسانية، وأوضاع اللاجئين، والحد من انتشار الصواريخ، وتهديدات القرن الحادي والعشرين مثل القرصنة الإلكترونية والإرهاب.
والجدير بالذكر خلو جدول أعمال المؤتمر من قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وفي السياق ذاته لم يحضر من يمثل السلطة الفلسطينية المؤتمر نظراً لمقاطعتها الإدارة الأمريكية واعتبارها المؤتمر تصفية للقضية الفلسطينية.
قبل 40 عاماً وتحديداً بعد 26 مارس/آذار 1979، اتخذت الدول العربية قرارها بمقاطعة مصر، لأنها أبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل، وطوال العقود الأربعة مرت العلاقات العربية-الإسرائيلية بمراحل تراوحت بين المقاطعة والتوتر والتواصل السري، ومع تبدل الأجيال التي عايشت الحروب بين الطرفين، بدأ ما كان يعد مسلكاً محرجاً يظهر للعلن، لكن ولأول مرة يجلس ممثلون عن دول عربية ورئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي على طاولة واحدة ويتقاسمون الخبر وذلك برعاية أميركية، في ما أسماه نائب الرئيس الاميركي مايك بنس بداية “عصر جديد” في المنطقة حيث دعا بنس الأوروبيين إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بينما برز الموقف الاوروبيّ الرافض للمقاربة الأميركية العربية الاسرائيلية للتعاطي مع طهران.
انطلق المؤتمر يوم 14/2/2019 بمشاركة وزراء خارجية ومسئولين من 60 دولة مختلفة منها الدول الداعية للمؤتمر وهي أميركا وبعض حلفائها كالدولة المستضيفة بولندا بالإضافة إلى العديد من الدول العربية ممثلة بوزراء خارجية السعودية والإمارات الكويت وعمان واليمن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أوروبياً أظهر الثلاثي الموقع على الاتفاق النووي وهم فرنسا وبريطانيا وألمانيا تردداً واضحاً فيما أعلنت المفوضة للسياسات الخارجية في الأمم المتحدة “فيديريكا موغيريني” عدم مشاركتها صراحة.
أما في قائمة المقاطعين تبرز روسيا التي شكك وزير خارجيتها سيرغي لافروف في جدول أعمال المؤتمر نظراً لتسخيره من أجل خدمة السياسات الأمريكية، كما لم تشارك الصين فيما بقي موقفها غامضاً
يقام المؤتمر لهدف أساسي وهو محاولة لتشكيل لوبي دولي إقليمي لمواجهة إيران، بعد فشل العقوبات في تركيع طهران وجلبها لبيت الطاعة الأمريكي، كما ويرى محللون أنه دفعاً لحرج مشاركة دول عربية مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالمؤتمر
كما ضمت أجندته موضوعات أخرى كانتشار أسلحة الدمار الشامل والملفين السوري واليمني وقضايا الإرهاب.
لاقى المؤتمر رد فعل إيراني مباشر وشديد اللهجة حيث اعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن مؤتمر وارسو الذي تنظمه أمريكا وتستضيفه بولندا بهدف الضغط على إيران وتأمين المزيد من الدعم لإسرائيل ولد ميتاً.
حيث قال خلال مؤتمر صحفي في طهران إن مؤتمر وارسو “مسعى جديد تبذله الولايات المتحدة في إطار هوسها الذي لا أساس له إزاء إيران.. أعتقد أن مؤتمر وارسو وُلد ميتاً”.
وأضاف ظريف: “أعتقد حقيقة أنهم لا يهدفون إلى إصدار أي نص متفق عليه، ولكن بدلا من ذلك يحاولون استخدام تصريحاتهم نيابة عن الجميع، يظهر أنه ليس لديهم أي احترام هم أنفسهم لهذا المؤتمر”.
وقال “أنت لا تجمع في العادة 60 بلداً للتحدث نيابة عنهم، هذا يشير إلى أنهم لا يعتقدون أن هناك ما يمكن أن يكسبوه من هذا الاجتماع”.
ختاما وبالحديث عن التاريخ نجد أن مؤتمر وارسو يحمل دلالة رمزية إذ يذكر بحلف وارسو الذي أسسه الاتحاد السوفيتي في مواجهة حلف الناتو خاصة وإن أحد القضايا المطروحة في المؤتمر تأسيس ناتو عربي ضد إيران، ومن جهة أخرى يأتي انطلاق المؤتمر بالتزامن مع الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإيرانية.