
هذه حال البشرية اليوم، العائمة على سفيح من اعلام، أشبه بعداد، أصبح الانسان فيها رقما، عدد اصابات، عدد شفاءات، عدد وفيات، ولا قيمة للانسان بعد، بل القيمة للأرقام، والاجراءات التي ترافق تلك الأرقام، من فتح أسواق واغلاق محال، طرد جماعي، بطالة متفاقمة، وكل كذلك تحت عنوان واحد وحجة واحدة كورونا.
ماذا لو أوقفنا العداد ليوم واحد، يومين أو أسبوع؟
ألا تنتهي كورونا؟
من يتذكر باقي الأمراض، كالسرطان مثلا، وكلفة علاجه الباهظة، ومن يذكر الوفيات من الأمراض العادية للأشخاص ذوي الحالات الصحية الحرجة، مثل الانفلونزا الموسمية، من يتذكر حوادث السير والانتحار، كلها أرقام أعلا من كورونا، ولكن المنظومة الكونية المتحكمة، تريد فرملة العالم اليوم بكورونا، لذا لا صوت يعلو هذا الضجيج المصطنع.
هل تعلم أن شخصا واحدا يُقدم على الانتحار كل أربعون ثانية، وأنه واحد من أبرز ثلاث أسباب للوفيات، وأن الفئة العمرية المستهدفة هي الفئة الشابة الناشئة اليافعة المنتجة، بأعمار تتراوح بين ١٥ و٤٠ عام؟
والأخطر من ذلك أن بسبب موجة كورونا الاعلامية وفقدان فرص العمل والضغوطات النفسية المرافقة، هذا العدد مرشح للتضاعف ليصل الى حالة كل ٢٠ ثانية بدء من عام ٢٠٢٠ بحسب معلومات لموقعيّ
ourworldindata و befrienders
ليس هذا كل شيء بل أن ١،٢٥ مليون شاب يلقون حتفهم سنويا جراء حوادث السير على الطرقات وبالكاد تذكر الحوادث تلك على هوامش نشرات الاخبار في حالات فاحشة ونادرة، في ظل غياب تام لبرامج التوعية وتمويل لاجراءات السلامة العامة على الطرقات في الغالب الأعم من البلدان الناشئة من العالمين الثاني والثالث،
نسي العالم كل هذا، وانجرّ في نهر أرقام كورونا المتدفق اعلاميا، غير آبه بالأرقام الحقيقية، وبأن نسبة الوفاة من جراء الاصابة بفيروس كورونا تلامس الصفر
اذا ما أخذنا بالاعتبار المضاعفات التي يعاني منها المصاب الذي يُتوفى، والذي من الممكن أن يتوفى من جراء اصابته بأي التهاب عادي أو فايروس آخر.
اذا ما الهدف من الاضاءة على هذا الفيروس تحديدا وبهذا الشكل في هذا التوقيت بالذات؟
ان الأهداف الرئيسية من الحملة المرافقة لفيروس كورونا في العالم، ثلاث، اجتماعية،سياسية وتجارية،
في البعد الاجتماعي، طالما عملت المنظمات العالمية على فكرة الاسرة وتفكيكها، هذا الرابط الاجتماعي الأخلاقي، الذي لا زال يقف عائقا أمام الكثير من المؤامرات، لها علاقة بالتجارة غير المشروعة والاتجار بالبشر والمخدرات والدعارة وغيرها من الاقتصاديات الرئيسية التي توازي الاقتصاد الحربي من تجارة أسلحة ومنظمات محلية، أمام كل هذا مطلوب أن تتفكك هذه الخلية الاجتماعية لتسهل استباحة المجتمع دون عوائق، وتسهل معها تمرير الأفكار والمواد المسمومة،
ولتحقيق هذا الهدف كان لا بد من حظر اجتماعي يمنع الابن من رؤية والديه والأهل من الاهتمام بأبنائهم،
وكذلك تدمير الروابط العائلية والواجبات الاجتماعية منها والدينية، التي كانت الى أمس القريب تلامس حد القداسة في مجتمعاتنا الشرقية خاصة، كل هذا أصبح من الماضي، وأصبح ثانوي بحجة الحفاظ على صحة الأهل وعدم تناقل العدوى وغيرها من الهواجس التي زُرعت باتقان في أدمغتنا التي عُطلت اعلاميا، ووعينا اللذي أفقد وعيه تحت وطأة الصدمة الاعلامية والضغوطات المعيشية المادية منها والنفسية.
أما عن السياسة والحرب العالمية البيولوجية فلا ينتهي الحديث، ونستطيع العودة للاستشهاد بهذا النوع من الحروب الى ما قبل الميلاد بأربعماية عام،عندما كان الرماة السكوثيون يغمسون سهامهم في الجثث العفنة قبل إطلاقها على الأعداء.
وصولاً إلى استخدام اليورانيوم المُخصّب في الحرب على العراق في العام 2003، مرورا بنشر الطاعون والتفتيريا والجدري أثناء ابادة الهنود الحمر في أميركا، ومن ثم استخدام القنابل النوويّة التي أسقطت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في العام 1945،
وقد يكون من ابرز أسباب هذه الحرب في هذا التوقيت، وقف تقدم بعض الدول النامية، ذاك التقدم الجارف الخطير، الذي يرى فيه البعض خطرا على موقعهم ونفوذهم على الساحة العالمية، على الصعد كافة، السياسية الاقتصادية والعسكرية، وفي السياق، من يراقب أداء الدول الكبرى وطريقة تعاملها في مواجهة هذا الوباء المستحدث، يستطيع استخلاص الكثير من العبر والتي ستكون طليعة في رسم معالم العلاقات الدولية في المستقبل القريب والبعيد، على مستوى التعاون والتنسيق الانساني، وسعي بعض الدول لاحتكار اللقاحات والأدوية، كل ذلك في ظل سياسة عقوبات اقتصادية على بعض الدول على خلفيات سياسية، لم يؤثر هول الواقع الصحي والانساني على الحد منها أو فرملتها، وكأن المطلوب خنق البشرية لاعدام قدرتها على الخروج من هذا النفق، الا بشروط وأفكار ومسار وارادة وادارة حافريه.
وفي الاقتصاد، معامل مقفلة، انتاج لامس حد الصفر بطالة مستشرية، ديون وطلبات على مزيد من الاستدانة من المؤسسات الدولية معروفة الهوية، بالمقابل معامل أدوية ولقاحات تعمل ليل نهار دون كلل، ترافقها جيوش
اعلامية صرف لها المليارات من أجل سَوق البشرية في طوابير كالنعاج، للتجمهر أمام أبواب المستشفيات طلبا للقصطلة الأنفية وحقن الموت الجماعي المسمات لقاح، وكأنهم رتل من فئران التجربة لا حول لهم ولا قوة، نعاج أمام مقاصل الذبح، تتسابق لنيل حتفها، وكأن ساطور ذابحها، خشبة الخلاص الوحيدة من المصير المحتوم الذي أُقنعنا به، بكثير من الاتقان والتمويل والتآمر، وبالقليل القليل من الادراك والقراءة والتساؤل.
وهكذا انتقل الانسان تحت شعار العولمة الفاحشة، بسقوط حر من القرية الكونية الموعودة الى العزلة الاجتماعية الانفرادية، مع البطالة الشاقة!
الياس المر
خبير علاقات دولية