لقد عقدت موسكو جولتين من الاجتماعات الفلسطينية-الفلسطينية خلال السنوات الماضية بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية الرئيسية، وتواصل العمل المستمر والمنهجي مع الفصائل في الوقت الحالي، وخلال العام الماضي، قام عشرات الممثلين الفلسطينيين من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك فتح وحماس، بزيارة العاصمة الروسية موسكو، وقابل عدد منهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وعقدت مشاورات مكثفة مع الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، حيث تسعى موسكو إلى حث الفلسطينيين على تجاوز الخلافات الداخلية على المنصة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتواصل العمل بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين، وتدافع باستمرار عن تسوية الصراع في الشرق الأوسط في إطار تنسيق واسع ومتعدد الأطراف. من هنا كانت مبادرة روسيا لعقد اجتماع دولي حول الشرق الأوسط في موسكو، وهو ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1850.
إن ما يجب أن نضعه نصب أعيننا في ظل الوضع الدولي الراهن الذي يتميز بتعقيده وتشابكه وتعدد أطرافه ألا نسمح بهيمنة قطب واحد على مسار المفاوضات في الشرق الأوسط، والعودة مرة أخرى إلى آلية الرباعية الدولية التي أنشأت بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، إلا أن أنشطتها اليوم، على الرغم من المطالبات الدولية، مجمّدة بسبب عزوف الولايات المتحدة الأمريكية عن مواصلة التفاعل تحت ذرائع مصطنعة، فيما تستمر واشنطن في سياساتها لتفكيك عدد من الصيغ الدولية متعددة الأطراف، ومن بينها الرباعية الدولية، سعياً للهيمنة على قضية التسوية في الشرق الأوسط، وهو أمر مرفوض شكلاً وموضوعاً، في الوقت الذي تفتقر فيه الولايات المتحدة إلى الحد الأدنى من النزاهة في وساطتها.
في الوقت نفسه تعرب روسيا عن استعدادها للعودة إلى العمل الجماعي في هذه الصيغة، إلى جانب عملها المستقل، اعتماداً على التعاون الوثيق مع جميع دول المنطقة. وأعتقد أنه سيكون من الخطأ ترك الاهتمام الدولي بقضية التسوية في الشرق الأوسط يخفت على خلفية قضايا الساعة مثل قضية أوكرانيا أو جائحة كورونا وغيرها، فالمشكلات لا تختفي من تلقاء نفسها، ويجب البدء بنشاط وجدية ودأب من جانب جامعة الدول العربية في تفعيل قرارات القمة العربية في الجزائر بخصوص القضية الفلسطينية، وإحياء صيغة الرباعية الدولية نظرا لأهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الصيغة في التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، خاصة وأن هناك الكثير في التشابه في الأهداف التي خرجت عن القمة العربية وما بين الغاية من تشكيل الرباعية الدولية.
يمكننا نحن العرب أن نلعب دوراً هاماً في إحياء دور الرباعية من جديد، خاصة وأنه من الواضح استناداً لتصريحات الخارجية الروسية في اليوم الرابع من بداية العام الجديد، أهمية ذلك بالنسبة لروسيا أيضاً، وأولوية التسوية في الشرق الأوسط على جدول أعمال السياسة الخارجية الروسية.
لهذا أدعو الاهتمام بمثل هذه التصريحات من جانب جميع وزارات الخارجية في الدول العربية وسفرائهم في جميع دول العالم، ما يمكن أن يسهم في إحياء الملف الفلسطيني بداية هذا العام، لنقل رسالة واضحة إلى العالم بأننا في العالم العربي مصممون على أن يكون هذا العام هو “عام فلسطين”، وهو عام إنعاش جميع المبادرات والجهود الدولية، وبأن الأمم المتحدة يجب وأن تضع قضية الشعب الفلسطيني على قمة أولوياتها في كافة الأنشطة التي ستعمل عليها خلال العام الجديد.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني رامي الشاعر