
أكد مستشار الشؤون الدولية لسماحة قائد الثورة الاسلامية علي أكبر ولايتي
أن النظام الدولي الجديد آت، وأن إيران تقف اليوم في قلب هذا النظام العالمي الجديد.
وأشار ولايتي في مقابلة مع موقع حفظ ونشر آثار الامام الخامنئي ( KHAMENEI.IR ) الى وقائع تاريخية وسياسية قديمة وراهنة مقدماً عرضاً تحليلياً عما يدور في العالم وموقع إيران العالمي ومكانتها الجيوسياسية في العصر الراهن.
وأشار ولايتي أنه وبعد الثورة الإسلامية، ومع توسّع التعليم والاستقلال الوطني في السياسة العلمية، تمكّن الشباب الإيراني من إحراز تقدّمٍ مُذهل في مجالاتٍ عديدة، بما في ذلك علوم الدفاع، والتقنيات الحديثة، وتكنولوجيا النانو، والطاقة النووية، والطب، والفضاء، وغيرها.
وقد تحقّقت هذه التطورات دون الاعتماد على الغرب، بل ورغم العقوبات والعقبات الدولية أحياناً. حيث تُعدّ إيران اليوم من بين الدول القليلة الأولى في العالم في بعض المجالات العلمية، وهذا يُؤكّد قول الإمام الراحل: “نحن قادرون”.
وفي معرض اشارته إلى المجالات العلمية التي يُمكن اعتبارها نماذج ناجحة للاستقلال الوطني في إيران، قال ولايتي: في عهد بهلوي، حلمت الأمة الإيرانية بامتلاك مصنع لصهر الحديد. لكن الدول الغربية، وخاصةً إنجلترا، حالت دون تحقيق ذلك. وفي نهاية المطاف، لجأ محمد رضا بهلوي إلى الاتحاد السوفيتي تحت الضغط، وبهدف بناء صورة لنفسه، ووقع عقداً لبناء مصنع لصهر الحديد. لم يكن قراره نابعاً من رغبة في الاستقلال، بل بدافع التبعية والضرورة.
وأضاف : يحفل التاريخ الإيراني بأمثلة تُثبت أن الإيرانيين لم يقاوموا العدوان الأجنبي عسكرياً وثقافياً فحسب، بل كانوا أيضاً في طليعة التقدم العلمي والحضاري.
هذا الواقع لا يزال قائماً حتى اليوم. فشعار الإمام الخميني “نحن قادرون” ليس شعاراً تاريخياً فحسب، بل هو أيضاً برنامج عملي لتقدم الأمة الإيرانية؛ برنامج أصبح واقعاً ملموساً بفضل جهود شباب هذه البلاد.
في ظلّ استقلال الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن القوى الأجنبية، وتحولها إلى قوة مؤثرة ومستقلّة في المنطقة، وتأسيسها محور المقاومة بمشاركة دول مثل لبنان والعراق واليمن وفلسطين، كيف تشكّلت هذه القوة؟ ولماذا، رغم نجاحاتها الميدانية، لا تزال وسائل الإعلام الغربية تُركّز على تضخيم ضعف إيران وإضعاف هذه الجبهة ؟
اليوم، وبعد أقل من نصف قرن، وصلت إيران إلى مستوى غير مسبوق من القدرة العسكرية والتماسك الوطني والنفوذ الإقليمي. من بين دول العالم الثالث، وتُعدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الدول القليلة التي اكتسبت قوتها العسكرية باستقلالية تامة، وليست مدينة أو تابعة لأي قوة أجنبية. وهذا الإنجاز لا يُشير فقط إلى اعتماد إيران على نفسها، بل يُوصل أيضاً رسالة الثورة الإسلامية الواضحة إلى المنطقة.
واردف ولايتي: والآن، تشكّلت مجموعة من الدول، تتمحور حول إيران، تحت مسمّى “محور المقاومة”؛ دول مثل لبنان والعراق واليمن وفلسطين جزء من هذا المحور. هذه الجبهة، التي شُكِّلت على أساس الاستقلال والمقاومة ومواجهة الهيمنة، شكّلت قوةً حقيقيةً وواسعةً في المنطقة؛ قوةً يُجبر حتى أعداؤها على الاعتراف بها.
ومن أبرز أساليب الأعداء، وخاصةً الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، التلميح إلى ضعف إيران. فهؤلاء يحاولون إضعاف قوة محور المقاومة من خلال الحرب النفسية. على سبيل المثال، تواصل فصائل المقاومة الفلسطينية، كحماس والجهاد الإسلامي، مقاومتها منذ ما يقرب من عامين، رغم الهجمات الشرسة للصهاينة.
ورداً على سؤال حول تأثير فقدان شخصيات بارزة في المقاومة، كقادة فلسطينيين ولبنانيين كبار، وما الذي حافظ على تماسك هذه الجبهة ومعنوياتها؟
قال ولايتي: على الرغم من استشهاد قادة كبار كالسيد حسن نصر الله، وهاشم صفي الدين، ويحيى السنوار، وإسماعيل هنية، إلا أن منظومة المقاومة لا تزال قويةً وجاهزةً للرد على العدو.
كما حافظ حزب الله في لبنان على كيانه القوي والجهادي بعد فقدان قادته، وهو لا يزال على خط المواجهة مستعداً للرد على هجمات الصهاينة المحتلين.
وفي اليمن، تمكن الحوثيون، وهم فرع من الطائفة الزيدية التي حكمت البلاد على مدى 900 عام، من السيطرة بأعجوبة على مضيق باب المندب الاستراتيجي؛ بحيث لم يعد باب المندب ولا قناة السويس آمنين على الغربيين والمعتدين.
وفي العراق، منع رئيس الوزراء (السيد السوداني)، وهيئة التنسيق (الأحزاب الشيعية في البلاد)، والبرلمان، والشعب، وقبل كل شيء، المرجعية الدينية المتمثلة بآية الله السيستاني، قبول الحكومة العميلة المفروضة في سوريا ووجود الجولاني في بغداد، رغم ضغوط بعض الدول العربية. في غضون ذلك، ظلّ دور آية الله السيستاني لا يُضاهى، وهو يُرشد مسار المقاومة في العراق والمنطقة.
وفي معرض اجابته عن سؤال حول التطورات الجيوسياسية في المنطقة، كالقوقاز مثلًا، قال ولايتي : بالنظر إلى التاريخ، يُمكننا القول بجرأة إنّ إيران لم تكن يومًا بهذه القوة والاستقلالية والنفوذ بعد الإسلام. ومن علامات قوتها ردّها السريع والحاسم على أزمة جنوب القوقاز. فعندما حاولت بعض الدول ربط نخجوان بأذربيجان عبر أرمينيا تحت مسمّى “ممر زنغزور” – وهي خطة كانت تهدف في الواقع إلى تفكيك أرمينيا وقطع صلة إيران بأوروبا – تصدّت لها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بيقظة وحزم، وأحبطت هذه المؤامرة.
وكما اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن، كان كل شيء مُهيأً لإطلاق هذا الممر، لكن إيران لم تسمح بتنفيذه. يُظهر هذا البيان أن الجمهورية الإسلامية، حتى بدون دعم روسيا، استطاعت الحفاظ على أمن القوقاز من خلال سياسات حكيمة، ومنع نفوذ الناتو في المنطقة. إن الوجود الإيراني الذكي في جنوب القوقاز لا يحمي المصالح الوطنية فحسب، بل يُشكّل أيضاً حاجزاً قوياً ضد النفوذ الأجنبي في المنطقة.
واضاف ولايتي: وعلى عكس مما يتخيله بعض الأعداء أو المنافسين السذج، استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بحكمة وشجاعة ويقظة قائد الثورة الاسلامية، مرة أخرى إحباط مخطط دولي معقد ضدها. وكان الهدف النهائي للأعداء من مشروع زنغزور عزل إيران من الشمال وتطويق روسيا من الجنوب، لكن هذا المشروع فشل أيضاً.
كما يجب ألا ننسى أن رد إيران على اغتيال الشهيد الحاج قاسم سليماني وإسقاط الطائرات الأمريكية المسيرة التي اخترقت مجالها الجوي، يُمثلان مثالين على قوة الجمهورية الإسلامية في الدفاع عن حدودها وحقوقها.
وأخيراً، تُثبت الأدلة التاريخية والوقائع الميدانية المعاصرة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الدول القوية والمستقلة ذات قدرات الردع العالية في المنطقة، بل والعالم، وتقف في قلب النظام العالمي الجديد.
#مرايا_الدولية