غفران المقداد _ مرايا الدولية
يعتبر الإمام روح الله الخميني أول رجل فكر استطاع تنفيذ نظريته في تأسيس الدولة حيث قدم أطروحة مفصّلة وواضحة ومستدلّة من نظرية الحكومة الاسلامية، استطاع إقامة هذه الحكومة وتنفيذ احكامها.
آمن الإمام روح الله الخميني بدور الشعب في نظام الحكومة الاسلامية واعتبر القضية الفلسطينية هي قضية الأمة بأكملها.
وفي هذه الدراسة سنتحدث عن هذين المحورين اللذين يعتبران من أهم افكار الإمام الخميني.
حق تقرير المصير
إنّ مسألة مشاركة الناس في تقرير مصير مجتمعهم من خلال إبداء آرائهم لم تكن بعيدة تاريخيّاً، ولو أن نماذج من سيادة الشعب على الحكومة أو الديمقراطية كانت موجودة منذ قديم الزمان، لكن هذه النماذج ولغاية أوائل القرن العشرين لم تستطع أن تبيّن أو تقدم نموذجاً كاملاً من مشاركة كافة الناس ودورهم في تقرير مصيرهم، ولم يتحول هذا الأمر إلى منهج عند المسلمين حتى جاءت الثورة الإسلامية بقيادة قائدها العظيم الإمام الخميني وتقديمه فكرة الجمهورية الإسلامية.
حيث أسّس سماحة الإمام الخميني من خلال نتاجه النظري والعلمي نظام الجمهورية الإسلاميّة المبنية على مبدأ ولاية الفقيه المطلقة، وكان نموذج حكومته على اساس ثلاثة اركان اساسية: “الدين الاسلامي والشعب والقيادة”؛ وثبت بأنّ الأركان الرئيسيّة الثلاثة: تحظى بمكانة خاصة في هذا النظام ولايمكن ان يتجزأ عن بعضها البعض.
وكانت دراسة وجهات نظر سماحة الإمام روح الله الخميني وآرائه تثبت بأنّه كان يرى مكانة الناس في الحكومة أكبر بكثير من قضية إبداء وتلقي المشورة بدرجات كبيرة ويؤكّد سماحته بأن: هذه هي الجمهورية الإسلامية التي بُني كل أساسها وفي كل المراحل وحتى قيادتها على أساس آراء الناس، حيث أن مكانة الناس في النظام الإسلامي هي ما صرح بها قول الإمام علي عليه السلام: ” لتكن الحكومة بموافقة الرعية ورضاهم.
وأعرب سماحة الإمام الخميني في هذا المجال عن قوله: “إنّ حكومة الاسلام لا تنفصل عن الشعب هي بين الناس، من هؤلاء الناس ومن هذا المجتمع”.
كما قال أيضاً: إن من الحقوق الأوليّة لاي شعب أن يكون تقرير مصيرهم وتحديد شكل الحكومة ونوعها بأيديهم”.
وأشار سماحة الإمام روح الخميني في هاتين العبارتين إلى النظرتين المذكورتين وهما الشرع والعقل، حيث ان العبارة الأولى تشير الى نظرة الشرع الى شعبية الحكومة والعبارة الثانية تشير إلى حكم العقل.
بناءً على حكم العقل العملي.. فإنّ عدالة الحكومة هي من حقوق الشعب. وبناء على حكم العقل النظري.. فإنّ إقامة الحكومة العادلة بين الناس لا يمكن من دون إرادة الناس أجمعهم .
بشكل عام يمكن أن نستنتج من خطابات الإمام بخصوص دور الشعب والحكومة الشعبية الدينيّة الأمور التالية:
أ- الحكومة الإسلاميّة تشكّل على أساس العدل
ب- يجب أن تكون الحكومات ومن ضمنها الحكومة الإسلامية تابعة للناس
ج- يجب ان تكون الحكومات للشعب وليس الشعب للحكومات
د- الحكومة الإسلامية، حكومة خادمة، واجبها خدمة الشعب
هـ- إن حلقة اتصال تسلسل هذه المباديء تكون على أساس محورية الله تعالى؛ لأنّه في الحكومة الإلهية يتجسد العدل، رضا الناس مبدأ مقبول، وخدمة الناس هو المبدأ والمحور وأن الحق هو أساس الحكومة بمعنى أنّ إرادة الناس مصدر قوة الحكومة، وأنّ إرادة الله تعالى هي مصدر شرعية الحكومة واحقيتها.
“جهاد البناء”
لم يكن تحقّق وعود الإمام روح الله الخميني (قدس سره) وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، مجرّد حادثة داخلية قادت إلى تغيير النظام السياسي؛ بل كانت الثورة الإسلامية زلزالاً مدمّراً للعالم الغربي كما وصفها كثير من المسؤولين الأميركيين والاسرائيليين والأوروبيين في مذكراتهم التي نشرت فيما بعد.
وهكذا، ومنذ صبيحة الحادي عشر من فبراير 1979، بدأ عداؤهم للنظام الإسلامي الفتي بشكل سافر وواسع وشامل.
كانت أميركا تقود جبهة الأعداء التي ساهم فيها بشكل فاعل كل من الحكومة الانجليزية والعديد من الدول الأوروبية الأخرى جنباً إلى جنب مع كافّة الأنظمة العميلة للغرب، كما انضمّ الاتحاد السوفيتي السابق والبلدان الدائرة في فلكه بسبب امتعاضهم من سيادة الدين في إيران إلى الأميركيين وناصروهم في الكثير من مواقفهم العدائية ضد إيران.
وكان الإمام الخميني (قدس سره) يطمح من خلال إعلان التعبئة العامة للشعب الإيراني لإعمار البلاد، إلى تجسيد مثال المجتمع الديني السليم والمتطوّر، وبوحي من ذلك أعلن عن تشكيل مؤسسة “جهاد البناء” التي هيّأت الأرضية لحضور الكوادر المتخصّصة والطاقات الثورية في المناطق المحرومة والقرى والأرياف، لتبدأ خلال فترة وجيزة عمليات شق الطرق وإنشاء المراكز الصحية والعلاجية وتأسيس شبكات المياه والكهرباء على نطاق واسع.
“الإمام روح الله الخميني والقضية الفلسطينية”
في إحدى لقاءاته عندما سأله مراسل محطة التلفزيون الأمريكي (1/12/1978م):
فيما لو سقط الشاه وتسلمتم السلطة مكانه فما التغييرات التي ستوجدونها حول العلاقة مع إسرائيلل أجاب نحن سنطرد إسرائيل، ولن نقيم معها أية علاقة فهي دولة غابة ونحن أعداؤها.
وفي سؤال آخر ..هل يعني هذا أن إسرائيل لن تستفيد من النفط الإيراني.
وكانت الإجابة.. لن تستفيد مطلقاً.
وفعلاً خسرت اسرائيل أكبر دعائم لها في المنطقة وخسرت الإمبريالية أكبر قاعدة لها، وتوقف النفط والمساعدات والدعاية والإعلان، وتحول كل ذلك في مواجهة إسرائيل وقوى الاستكبار الأخرى.
ومع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني في مطلع عام 1978م لم ينس الإمام أن يتابع ما يدور في فلسطين وأن يصدر النداءات المؤيدة للشعب الفلسطيني الداعية إلى الوقوف إلى جانبه ونجدته وإنقاذ فلسطين، كما كان يؤكد في كل فرصة وفي غالب أحاديثه مع وسائل الإعلام إلى حد أنه قال في أحد نداءاته (إن من أسباب ثورة الشعب الإيراني ضد الشاه هو حمايته اللامحدودة لإسرائيل وتأمينه لاحتياجاتها النفطية، ولأنه جعل إيران سوقاً للبضائع الإسرائيلية إضافة إلى دعم الشاه المعنوي لإسرائيل مع أنه يتظاهر بإدانتها كي يخدع العالم).
أي أن الإمام وهو في عز انتصاره على الشاه وفي ذروة الثورة الإسلامية يبين ويفضح موقف الشاه المخلوع المؤيد والداعم لإسرائيل ويربط بين أسباب قيام الثورة الإسلامية، ويعدّ أن أحد الأسباب الرئيسية لها هو موقف النظام المخلوع من إسرائيل وانحيازه الدائم إلى جانبها.
واستقبل قادة منظمة التحرير الفلسطينية في طهران في الأيام التي تلت الانتصار كما لم يستقبلوا في أي مكان في العالم، واستقبل الإمام الخميني رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وسط أجواء احتفال مهيب..ولما حضروا التقى بهم الإمام في19/2/1979م.. قال الإمام الخميني:
(إننا ومنذ خمسة عشر عاماً، كنا قد قلنا كلمتنا حول فلسطين، إن وجهة نظرنا تلك بصدد قضية فلسطين، مازالت على قوتها السابقة، وسوف نولي هذه المسألة (وجود إسرائيل) أهمية أكثر في المستقبل، وبعد أن نرمم الخرائب التي ورثناها في بلدنا في عهد الشاه).
وعندما عاد رضوان الله عليه عودته المظفرة من باريس قال: (اليوم إيران وغداً فلسطين..) فهبت الجماهير المسلمة في طهران وترجمت هذا الشعار واندفعت كالسيل الهادر نحو (سفارة إسرائيل) وأحرقت العلم الإسرائيلي ورفعت مكانه علم فلسطين وتحولت (سفارة إسرائيل) إلى سفارة فلسطين، وبذلك تكون الجمهورية الإسلامية في إيران أول دولة في العالم تقيم سفارة لفلسطين.
وبعد ذلك جاء إعلان يوم القدس العالمي.. وأعلن الإمام الخميني مفجر الثورة الإسلامية في هذا العصر عن تحديد يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان من كل عام هجري يوماً للقدس، وذلك لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي كانت تقترب من نهايتها.. ومن أجل إعطاء القضية المركزية للأمة حجمها الطبيعي من الاهتمام فهي قدس كل الأمة، وليست قدس الشعب الفلسطيني فقط أو العرب لا غير، ومن ثمّ فإن كل المسلمين مطالبون بالعمل من أجل التحرير بكل الوسائل والإمكانات المتاحة أمام تلك المئات المنتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي الواسع.
ولهذا نجد الإمام يعبر عن مقولته عند إعلان تأسس يوم القدس:
(إن آخر جمعة من شهر رمضان المبارك تعد يوماً للقدس.. ويوم القدس مجاور لليلة القدر، فيجب على المسلمين أن يحيوه.. إن يوم القدس يوم عالمي.. لا يختص بالقدس، بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين.. إنه يوم مواجهة الشعوب المستضعفة لتعلن عن وجودها أمام المستكبرين.. إنه يوم مواجهة الشعوب المستضعفة لتعلن عن وجودها أمام المستبكرين.. إن يوم القدس هو يوم الإسلام، ويوم إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في البلاد الإسلامية، وهو اليوم الذي لابد فيه أن يمتاز الحق عن الباطل.. نسأل الله تبارك وتعالى، أن ينجّي إخواننا في فلسطين وجنوب لبنان وفي شتى بقاع العالم، من ظلم المستكبرين والقراصنة الدوليين
وأخذت القضية الفلسطينية موقعها في الخطاب الخميني من خلال أشكال متعددة لمعالجتها والتعامل معها..
وينقل عن الإمام روح الله الخميني قوله: “إذا كنتم تريدون تحرير القدس، فلا تدعوا الحكومات هي التي تقرر، فالشعوب هي التي يجب أن تثور، ولا بد لها أن تفهم سر الانتصار، إن سر الانتصار هو أن تتمنى الشهادة، ولا تقيم وزناً للحياة المادية والدنيا الزائلة، فهذا السر هو الذي يدفع الشعوب إلى الأمام”.
عن مدى اهتمام الثورة الإسلامية بالقضية الفلسطنية هو ما قاله السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور : “إيران حررت أول قطعة أرض فلسطينية برفعها أول علم لفلسطين في طهران،
فكانت الأسيرة الفلسطينية المحررة فاطمة البرتاوي وأحد شباب فتح من توليا مع الرئيس الراحل عرفات خلال رفع علم فلسطين يومها”. فقد تم يومها تحويل سفارة الاحتلال الإسرائيلي إلى سفارة فلسطين.
وكان الرئيس عرفات أول الواصلين للتهنئة، فعقد لقاءً مهماً مع الإمام الخميني، الذي أكد أن “إيران الثورة الإسلامية لن تدخر جهداً في دعم ثورة فلسطين وشعبها”.
ونُتج عن تلك العلاقة إقامة معسكرات تدريب للشباب الإيراني عام 1969، وبالأخص الذين تولوا فيما بعد قيادة حرس الثورة الإسلامية.
كما قدمت حركة فتح أسلحة إلى الثورة في إيران في بدايتها. وقد أجاز الإمام تخصيص نسبة من أموال الخمس وسهم الإمام كتبرع للثورة الفلسطينية.
ولم تكتف إيران بدعم القضية الفلسطينية بكل إمكانياتها وحسب، بل اهتمت بذلك على مستوى الدستور الإيراني. وتمّ إقرار قانون لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني في العام 1990. وبات دعم الثورة الفلسطينية مكرساً بنصوص قانونية ودستورية في إيران.
#مرايا_الدولية