كتبت الصحافية عبير شمص
في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه المدرسة الرسمية حاضنةً لكل الطلاب على اختلاف قدراتهم، تُزرع اليوم فيها مشاريع تحت شعار «الدمج التربوي» تموّلها الجهات المانحة وتدار بعيداً عن أي رقابة من ديوان المحاسبة أو التفتيش التربوي، وكأننا أمام دولة داخل الدولة، وموازنة خارج الموازنة!
مشروع “مدارس الدمج” الذي وُلد تحت عنوان الإنسانية، تحوّل إلى مزرعة خاصة لمن يديره، لا للمصلحة العامة. في بعض المدارس الرسمية لا يتعدّى عدد الطلاب في المدرسة الدمج اثنين، بينما تُصرف الأموال وكأننا أمام مؤسسة كبرى تعالج المئات!
والسؤال البديهي: أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟
كيف تُدار هذه الأموال؟ ومن يضمن أن ما يُصرف فعلاً يذهب إلى مستحقيها لا إلى الجيوب؟
حتى من تعاقدوا مع هذا القسم، لم يكمل معظمهم عامهم الدراسي.
هل سأل أحد عن السبب؟
الجواب واضح ومخجل في آن:
كيف لمتخصص في العلاج النفسي أو الانشغالي أو النطق – وهو يحمل شهادة عالية وأجره في السوق مضاعف – أن يقبل بأن تُحتسب حصته كحصة مدرس عادية؟
أي عدالة تربوية هذه؟ وأي احترام للكفاءات؟
وفي الوقت الذي يُمنح فيه المختص ٨ دولارات للحصة – بالكاد تكفي أجرة طريق – نجد أن من يزور أحد هذه المراكز أو المدارس من الفريق المتحكّم بالمشروع يتقاضى ٦٠ دولاراً عن الزيارة الواحدة!
أليس من المعيب أن يتقاضى “الزائر” أضعاف ما يتقاضاه من يعمل ميدانياً مع الأطفال؟
هكذا تُكافأ المكاتب وتُهمّش الميدان، وهكذا تُدار المشاريع حين تُصبح الغاية المنفعة الشخصية لا الخدمة التربوية.
النتيجة واضحة: نزيف في الكادر، تراجع في الأداء، وفقدان للثقة بالمشروع.
فكيف ننتظر من مشروع يقوم على التمييز في الأجور والمحسوبيات في التعيينات أن ينجح في تعليم قبول الآخر؟
إن مدارس الدمج بصيغتها الحالية ليست سوى واجهة لتلميع صورة فارغة أمام المانحين، بينما الواقع في الميدان كارثي.
مشروع لا يُراقَب ولا يُحاسَب، ولا يصل منه إلى المدارس إلا “أذن الجمل”، فيما اللحم يُوزّع في المكاتب والمناصب.
لقد آن الأوان لوقفة جادة، ومراجعة شاملة، قبل أن يتحول هذا المشروع إلى نموذج فاضح في الهدر المال لصالح المنتفعين وتهميش الكفاءات، بدل أن يكون عنواناً للعدالة التربوية والدمج الحقيقي.
كفى استهتاراً بالمدرسة الرسمية وبعقول الناس والمتاجرة بالإنسانية!
إلى وزارة التربية نقول: الصمت على هذا الفساد شراكة في الجريمة، والتغاضي عن سوء الإدارة خيانة لرسالة التعليم.
وإلى الجهات المانحة نقول: ما هكذا تُصرف المساعدات، ولا هكذا تُبنى الثقة. أنفقوا حيث تُثمر جهودكم، لا حيث تُهدر الأموال في تقارير مزيفة وصور تذكارية!
المدرسة الرسمية ليست حقل تجارب لمشاريع شكلية، بل حق وطني يحتاج إلى إصلاح حقيقي لا إلى شعارات.
وإذا كان الدمج يعني اليوم دمج الفساد بالمناصب، فالأجدر أن نعلن بوضوح:
هذا المشروع فشل… لأنه وُلد من رحم المصالح لا من قلب التربية.
#مرايا_الدولية


