
هكذا يُلخص مشهد الصراع الخفي القائم على تشكيل حكومة “المهمة” تحت عنوان “الأجواء الايجابية” الذي بدوره لا يخلو من الاحراج والضغط على الطرف المقابل،
تلك الحكومة، التي تقترب من “المهمة المستحيلة” في ضوء الانهيارات السياسية والاقتصادية، التي تنذر بالانهيار الأمني،
حيث ما لبث أن يظهر هنا وهناك، وآخرها اغتيال المصور الذي عمل مع الفريق الأميركي، ابن الكحالة جوزيف البجاني، والذي على ما يبدو، أنه عرف شيء ما كان يجب أن يعرفه!!
نعم هو صراع توازنات خفي مصحوب بمؤشرات خارجية، تشجع على المماطلة في هامش من الوقت تراوح بين الانتخابات الأميركية ورغبتها في افشال المبادرة الفرنسية،
واستلام بايدن مكتبه في البيت الأبيض، ريثما تقوم الادارة الأميركية الجديدة بترتيب أوراقها، وتكون المكافأة الحكومية جاهزة لتقدم لها على طبق من “المكرومات”،
التي قد تسمح لدول التطبيع بتحسين موقفها مع الادارات الجديدة بعدما وضعت كل بيضها في السلة الترمبية،
متهمين ايران باستمهال الولادة الحكومية، للضرورات التفاوضية، متناسين أن ايران لا ترغب بالتفوض أصلا، ولحزب الله المصلحة الأولى بولادة الحكومة ووقف الانهيار الذي لا يستفيد منه سوى أعداء لبنان وفي مقدمهم العدو الاسرائيلي،
وهو قدم في سبيل ذلك الكثير وليس أكثر من تسمية الرئيس الحريري، الذي تمنعه الدول المعادية من التأليف، لاغراق لبنان واحراج المقاومة للانقضاض عليها من خلال محاولة تقليب الرأي العام، تحت حجج تحميلها زورا مسؤولية الانهيار المالي المفبرك.
أما في الشق الداخلي، بات الجميع على يقين، أن حكومة “المهمة” الميمونة، هي حكومة العهد الأخيرة، بل حكومة ما بعد العهد، وما أدراك ما بعده من فراغ،
قد يطول حتى تتبلور معالم الجمهورية الجديدة، في احدى العواصم وقد تكون أبعد من الطائف والدوحة، لاستيعاب المرحلة، وتداعياتها،
هي حكومة التوازنات الداخلية والمواقف والعلاقات الخارجية: موقف لبنان الرسمي من قضايا المنطقة والتهافت التطبيعي مع العدو، ترسيم الحدود، النفط والغاز، المقاومة وسوريا،
أضف اليها المهمة الاقتصادية المستحيلة، في امكانية التفاوض مع الدول المانحة، وصندوق النقد وبرنامجه وشروطه، وهي حكومة التحقيقين الجنائي المالي والقضائي العدلي في جريمة اغتيال لبنان في انفجار نيترات الاهمال على مرفأ الفساد.
كل هذه العناوين والملفات ترخي بظلالها على التشكيلة الحكومية وتوزيع الحقائب السيادية، منها الأمنية كالداخلية ومنها الولوج الى التشكيلات الأمنية والامساك بالأرض تحسبا لأي طارىء ميداني، وتحضيرا للانتخابات النيابية التي لن تجري، على الأقل في موعدها المحدد،
العدل، حيث الاطلاع المباشر على مجريات الملفات القضائية، ومواكبة التحقيق الجنائي الذي يعوّل عليه فريق العهد من أجل الاقتصاص “العادل” من الفريق الاقتصادي الذي أوصل البلد الى ما وصلت اليه من انهيار تام،
اقتصادي ومالي، ويتخوف منه الفريق المقابل، وكذلك الاطلاع ومواكبة تحقيقات جريمة الرابع من آب،
وما قد يرافقها من تداعيات سياسية كبيرة، بدأت معالمها مع ادعاءات القاضي صوان، قد تطال رؤوس عالية،
والتخوف من مطالباتٍ برؤوس أعلى للضرورات اللبنانية وحفظ توازنات ال ٦ و٦ مكرر على قاعدة كلن يعني كلن داخل أو خارج دائرة الخطوط الحمراء، الحزبية أو الطائفية.
أما الخارجية، فهنا بيت القصيد، بين بيت الوسط والمختارة، “الامساك بموقف لبنان الرسمي”،
وهي من الحصة التي وعد بها الحريري، حليفه اللدود التي لم يسلم من سهامه يوما، البيك وليد، وعلى هذا الأساس يُمسك بيك المختارة مجددا بيضة القبان،
لا بل القبان بحاله، من خلال الاعلان الرسمي والمجاهرة بموقف “لبنان” في المحافل والمنابر الدولية، ضد المقاومة وسوريا، وهذا لن يحصل!
الهدف من كل ما تقدم، أمران أساسيان، الأول اكمال الطوق على عهد الرئيس عون، ومنعه من الحكم والانجاز، انتقاما لوصول “الرئيس المسيحي القوي”،
وتحضيرا لباش كاتب جديد، اذا تسنى له الوصول الى بعبدا، واقفال الطريق أمام “رئيس قوي” جديد،
والهدف الثاني، التحضير لمرحلة ما بعد انتهاء العهد، والاستعداد لادارة مرحلة الفراغ، كل بظروف أقوى وشروط أفضل،
لتحسين مقعده على طاولة التسوية القادمة في أحد الفنادق الرافهة، بعد مسيرة طويلة على ما يبدو من الأزمات، لن تكون بعيدة عن الرغيف وربما عن كوب الماء هذه المرة.
الياس المر
خبير العلاقات دولية
#مرايا_الدولية