لبنان

زافترا: اليوم كلنا “حماس”

رامي الشاعر
دانت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية قرار وزيرة الداخلية البريطانية اعتبار حركة “حماس” منظمة إرهابية، واعتبرته “رضوخاً لإملاءات إسرائيل”.
ووصفت المبادرة ما اتخذته وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، من إجراء، يواجَه بموجبه أي شخص تثبت عضويته في “حماس” أو يثبت تقديمه دعماً للحركة بعقوبة السجن لمدة تصل إلى 14 عاماً، بالقرار الجائر الذي “يعمّق انحياز حكومة بوريس جونسون لحكومة الاحتلال والتطرف العنصري الإسرائيلية، ويدمّر فرص السلام العادل، ويمثّل اعتداءً على القانون الدولي، وحق الشعب الفلسطيني في ممارسة الديمقراطية، والدفاع عن حقوقه الوطنية”.
كما اعتبرت المبادرة القرار “رضوخاً لرئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينيت، الذي تواصل حكومته هجماتها ضد الشعب الفلسطيني والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني”.
من جانبها، اعتبرت الفصائل الفلسطينية في غزة ذلك القرار “استعداءً مباشراً للشعب الفلسطيني”، وصرحت، خلال مؤتمر صحفي بعد اجتماع لها في غزة، بأن الشعب الفلسطيني بكل قواه ومؤسساته، موحداً في رفض وإدانة قرار الحكومة البريطانية بإعلان حركة “حماس” منظمة إرهابية، ورأته “توطئة وضوءً أخضر لدولة الاحتلال لمواصلة عدوانها وجرائمها بحق شعبنا الفلسطيني، الأمر الذي تتحمل مسؤوليته حكومة بريطانيا”.
أما رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، فقد علّق على قرار الحكومة البريطانية بأنه “اعتداء جديد” على الشعب الفلسطيني وحقوقه، و”خطوة مدانة ومستنكرة تعبّر عن الانحياز للاحتلال الصهيوني، وتتماهى مع محاولاته تجريم نضال الشعب الفلسطيني”.
وتابع هنية أن “صمود الشعب الفلسطيني والتفافه حول قواه الوطنية المناضلة كفيل بإضعاف وإجهاض كل القرارات التي تمسّ حقوقه الثابتة، بما فيها الحق في مقاومة الاحتلال، فشرعية حماس تستمدها من هذا الشعب ومن أمتنا ومن أحرار العالم ومن نضالنا الوطني”.
لقد صرّح وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، عيسوي فريج، على هامش “مؤتمر المانحين” في العاصمة النرويجية أوسلو، بموافقة إسرائيل على “إقامة مشاريع حيوية مهمة للفلسطينيين في القطاعين العام والخاص بهدف تأمين مستقبل أفضل لهم وتنشيط اقتصادهم”، يأتي ذلك على خلفية تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن “إسرائيل معنية بتحسين أوضاع حياة الفلسطينيين، وترى في ذلك مصلحة مشتركة للجانبين”. إلا أن ذلك الخطاب المعسول، والكلمات المنمّقة، تعني في جوهرها بمنتهى البساطة أن إسرائيل ترى في السلطة الفلسطينية، بلدية كبيرة بعض الشيء، تضم عدداً كبيراً من السكان الواقعين تحت مسؤوليتها، فتدير حياتهم، وتحافظ على الهدوء والأمن في إسرائيل، دون أن تحتاج إسرائيل إلى إدارة شؤون المواطنين الفلسطينيين بنفسها. أما الحديث عن إجراءات بناء الثقة، أو حل الدولتين، ناهيك عن إنهاء الاحتلال، وعودة اللاجئين، فتلك آمال بعيدة، لا محل لها من الإعراب في القاموس الصهيوني.
إن من بين القواعد الرئيسية للقانون المعمول به في حالة الاحتلال، وفقاً للائحة لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة، والقانون الدولي الإنساني العرفي: حظر العقاب الجماعي، وأخذ الرهائن، ومصادرة الممتلكات الخاصة بواسطة المحتل، وتدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها، وتدمير الممتلكات الثقافية، بل واحترام الضمانات القضائية المعترف بها دولياً تجاه الأشخاص المتهمين بفعل إجرامي (الإخطار بسبب الاحتجاز، وتوجيه تهم محددة، والخضوع لمحاكمة عادلة في أسرع وقت ممكن).
إلا أن القانون الدولي الإنساني ينطبق على الاحتلال المؤقت وقصير الأجل، ويجعل الاحتلال “قانونياً” طالما أنه يحترم قواعد هذا القانون، وبموجبه تكتسب سلطة الاحتلال القائمة صلاحية إقامة نظام يقيّد حقوق الإنسان لأسباب “الضرورة العسكرية، والأمن، والنظام العام”.
لهذا السبب، فإن تدفق المعونات الدولية، لتخفف بعض الشيء من الآثار الإنسانية المترتبة على الاحتلال الإسرائيلي (القانوني والمؤقت! وفقاً للتعريف الدولي)، توجّه النزاع ليتركّز حول شرعية ممارسات إسرائيلية معينة، فيتحول جوهر القضية الفلسطينية، بشأن شرعية الاحتلال الإسرائيلي برمّته، والمطالبات بتغيير الوضع الذي أوجدته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1948 (منذ 73 عاماً)، إلى مناقشة انسحابها من الأراضي المحتلة “مؤقتاً” منذ عام 1967 (زهاء 54 عاماً)، والاستناد إلى المرجع الوحيد للقانون الدولي في هذا الشأن، قرار مجلس الأمن رقم 242، لعام 1967، والجدل المثار حول الألف واللام في كلمة “أراضٍ” في نص القرار، في سابقة تاريخية لم يعرف لها الإنسان مثيلاً.
يقول المثل الشعبي العربي: “رضينا بالهم، والهم لم يرض بنا”. تلك هي سمة الوضع الراهن، حيث لا تلتزم سلطة الاحتلال الصهيوني حتى بالقانون الدولي الإنساني العرفي، ولا بأي من القواعد المعروفة في لائحة لاهاي. وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وأمام أعين الدول الغربية التي ملأت الدنيا ضجيجاً وصخباً بشأن الحرية وحقوق الإنسان، تواصل سلطات الاحتلال ممارساتها الاستيطانية في وضح النهار، بل ويمتد الوضع مؤخراً، بعد تقسيم الأراضي، وتهجير السكان، إلى تقسيم آخر، أيديولوجي، يدفع بنضال الشعب الفلسطيني كله، وليس “حماس” وحدها، إلى خانة “الإرهاب”.
فكل من “يدعم” أو “يساند” أو “يرفع شعاراً” أو حتى يرتدي أي لباس يحمل ما يمكن أن يلمّح إلى دعمه لـ “حماس”، من الآن فصاعدا سوف يعتبر “إرهابياً” وفقاً للقانون البريطاني المزمع. بمعنى أن بريطانيا بذلك تخلط الحابل بالنابل، وتعتبر نضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل قضيته الفلسطينية “إرهاباً”، وذلك جزء من استراتيجية إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية لتحويل الضحية إلى مجرم، وتحويل الاحتلال المجرم إلى ضحية.
يعد القرار امتداداً للسياسة الاستعمارية البريطانية، وتعزيزاً ورهاناً إسرائيلياً بريطانياً على تعميق الانقسام الفلسطيني بين “حماس” وداعميها، وبين من هم “غير حماس”. لعل من المفيد هنا التذكير بأن كلمة “المقاومة” في اختصار كلمة “حماس” يأتي قبل “الإسلامية”، بمعنى أن النضال سابق على الجهاد لنكون أكثر وضوحاً ودقة، وحتى إذا كان الجهاد يميّز بعض الفصائل الإسلامية عن الأخرى، ويميّزها عن حركات النضال الفلسطينية الأخرى، فالنضال فوق الجميع، والنضال الفلسطيني جامع وشامل لا للفلسطينيين وحدهم، وإنما للأمة العربية جمعاء. فلا زالت فلسطين، على حد علمي وتقديري، قضية العرب المركزية، ولا زالت المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني مشروعة ومطروحة وواجبة، حقاً مشروعاً لنا، وواجباً مفروضاً علينا.
لقد أثبتت التنديدات التي جاءت من كل حدب وصوب عقب صدور القرار، أن رد الفعل كان عكس ما استهدفه لقاء بينيت وجونسون على هامش قمة المناخ، وجاءت ثماره ممثلة في قرار وزارة الداخلية البريطانية، فقد هب الشعب الفلسطيني بجميع فصائله وأطيافه وانتماءاته السياسية والأيديولوجية موحّداً ضد ذلك القرار، وضد جميع خطط واشنطن وتل أبيب ولندن لتصفية القضية الفلسطينية، من خلال عزل إحدى ركائز النضال الوطني والمقاومة الفلسطينية.
بعد خفوت الأصوات التي كنا نسمعها من عرّابي “صفقة القرن”، ومناصريها، يبدو الهدف من القرار البريطاني الجديد، الذي ينتظر تصويت البرلمان، وأتمنى أن يمتنع عن ذلك، هو إحداث شرخ جديد، بعد شرخ التطبيع، على محور جديد من محاور النضال والمقاومة، ما بين من هم مع “حماس” ومن هم ضدها، بعد أن أصبح هناك من هم مع “التطبيع المجاني”، ومن هم ضده، كما ظهرت في فترة من الفترات بعض الأصوات هنا وهناك ممن هم مع “صفقة القرن”. إنها سبل مختلفة وهدف واحد هو تصفية القضية الفلسطينية.
لكن القضية الفلسطينية تبقى واحدة لا تتغير، وحقوق الشعب الفلسطيني في الوجود على أرضه، واستردادها من الاحتلال الغاشم تبقى هدفاً واحداً لا نحيد عنه، مهما أنشأ العدو من مستوطنات، وتوسّع في احتلال مزيد من الأراضي، ورسم صوراً وهمية لأجيال جديدة، يعتقد أنه قادر على محو ذاكرتها، وكتابة تاريخ جديد.
إلا أن التاريخ تسطره الشعوب بأجسادها ودمائها، بعد عقولها وأفكارها وثقافتها وحضارتها، ولا تؤثر فيه توازنات وألاعيب ومؤامرات شخصيات سياسية عابرة، تصعد إلى المشهد السياسي في غفلة من الزمان، على صهوة تيارات سياسية متطرفة، تجر العالم إلى حافة الهاوية.
أضمّ صوتي إلى صوت الفصائل الفلسطينية وأدعو “القوى الحية وكل الأحرار والمتضامنين مع شعبنا في العالم أجمع، والجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكل محبي العدل في العالم إلى رفض هذا القرار ومواجهته بحزم”. فاليوم كلنا “حماس”.

#مرايا_الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى