دوليروسيا

روسيا في الشرق الأوسط: تاريخ طويل من الصداقة والتعاون والمصلحة المشتركة

تميزت فترة الأربعينات ـ الخمسينات من القرن العشرين والتي أعقبت الحرب العالمية الثانية ، وانهيار النظام الاستعماري الغربي ، الذي أسست له مؤامرة سايكس بيكو الأنجلو-فرنسية ، ببداية مرحلة جديدة في تطور دول الشرق الأوسط ، وبداية الدول الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة في إنشاء منظومة تكتلات واحلاف عسكرية عدوانية تستهدف بشكل أساسي المعسكر الاشتراكي، حينها بدأ العديد من الدول العربية في البحث عن حلفاء يمكنهم المساعدة في إنشاء وتعزيز كياناتهم الخاصة ، وبناء اقتصاد وطني مستقل ، وتشكيل قوات مسلحة مؤهلة.
كانت مصر وسوريا تبحث بنشاط عن بديل للاحلاف العسكرية الموالية للغرب ، وفي عام 1956 ، إتفق الزعيم المصري جمال عبد الناصر مع الاتحاد السوفيتي على التعاون العسكري التقني.
كذلك، وقعت سوريا مع الاتحاد السوفيتي اتفاقية للتعاون العسكري والاقتصادي في العام 1957.
قام الخبراء والاختصاصيون السوفييت بدور مباشر ونشط للغاية في إنشاء الصناعة والبنية التحتية في دول الشرق الأوسط ، وتحديث اقتصاداتها ، وتبادل الخبرات القيمة في مختلف المجالات.
أصبحت مثل هذه المشاريع الفائقة الاهمية وواسعة النطاق مثل إنشاء سد أسوان في مصر ، وبناء محطة للطاقة الكهرومائية على نهر الفرات في سوريا والكثير غيرها، رمزا صلبًا للتعاون السوفيتي العربي الوثيق. عمل عمال النفط السوفييت بجهد ومثابرة وساهموا في إنشاء قطاع النفط في العراق وسوريا والجزائر وليبيا والكويت. كما تم تنفيذ العشرات من المشاريع الكبرى في هذا المجال. واكتسب التبادل الإنساني والثقافي بين دول الشرق الأوسط والاتحاد السوفيتي نطاقا واسعا.
أما بالنسبة للبنان ، فقد كانت روسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) من أوائل الدول التي اعترفت باستقلاله وأقامة علاقات دبلوماسية معه ، في العام 1944 ، معتمدة على الروابط التي تربط شعبي لبنان وروسيا وتعود إلى قرون. ومن الجدير بالذكر أن أول تمثيل دبلوماسي دائم للإمبراطورية الروسية في الشرق الأوسط حصل في العام 1839 ، حيث جرى افتتاح القنصلية الروسية في بيروت.

إن شعبي لبنان وروسيا مرتبطان بعلاقات إنسانية وثيقة ذات جذور تاريخية عميقة ، ازدادت صلابة وموثوقية بانشاء ، ولأغراض علمية وخيرية ، الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية في الإمبراطورية الروسية ، في العام 1882.
حيث عملت تحت رعايتها في بداية القرن الماضي ، عشرات المدارس الروسية على أراضي لبنان. هناك معلومات أنه في عام 1911 كان هناك 1231 طالبا يدرسون فيها، كما جرى تأسيس واحد من المراكز الطبية الرائدة في بيروت ، مستشفى سان جورج ، من الأموال التي تم جمعها في روسيا ، وجرى تمويلها من الخزينة الروسية لفترة طويلة بعد ذلك.
يعود عمر الهجرة الروسية الى لبنان الى العشرينات من القرن العشرين ، حيث يعيش مجتمع معتبر موثوق من الجالية – المهاجرين الروس. كما إن الوجود الدائم للشتات الروسي هنا قد خلق دائما إمكانيات إضافية لتعزيز العلاقات الإنسانية اللبنانية الروسية.
تلقى العديد من اللبنانيين تعليمهم في الاتحاد السوفيتي وخليفته ، روسيا ، وتزوجوا من مواطنين سوفييت وروس. وهناك حاليا اهتمام متزايد بين الطلاب اللبنانيين بتعلم اللغة الروسية ومتابعة التعليم في روسيا. إذ زار معرض الجامعات الروسية “أذهب للدراسة في روسيا” الذي أقيم في نوفمبر 2021 في لبنان أكثر من 2200 طالب.
لم تتدخل روسيا أبدا في الشؤون السيادية للبنان ، لكنها كانت دائما على استعداد للمساعدة في الأوقات الصعبة. مثال على ذلك انه ، بعد الانفجار المأساوي في ميناء بيروت في 4 أغسطس 2021 ، كان رجال الإنقاذ الروس ، وباوامر مباشرة من رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين ، أول فرقة أجنبية تصل إلى موقع الكارثة وتقوم باعمال الإنقاذ وتقديم المساعدة الإنسانية الواسعة النطاق ، ومنها إنشاء مستشفى عسكري ميداني روسي في منطقة الكارثة ، عمل فيه بما في ذلك جراحو الأطفال واطباء إصابات الأطفال.

#مرايا_الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى