دوليروسيا

أوروبا.. تخاف لافروف…!!

الشاعر: هذا النظام يتهاوى...نشهد صناعة تاريخ جديد.

الكاتب والمحلل سياسي “رامي الشاعر”

قرارات صدرت من وزارات الخارجية في كل من بلغاريا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود لحظر الطائرة الحكومية التي تقل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لحضور لقاء مع زملائه في صربيا.

أبلغ السفير الروسي لدى صربيا، ألكسندر بوتان خارتشينكو، الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، وأعرب الأخير عن استيائه للعراقيل التي تقف أمام زيارة وزير الخارجية الروسي، مؤكدا على أن صربيا، وعلى الرغم من مواصلتها المسار الأوروبي، إلا أنها ستدافع عن استقلالها وحريتها وإرادتها السياسية، وتطمح للحفاظ على تقاليد ودية من الصداقة وعلاقات الشراكة في جميع القارات، وستواصل حفاظها على الحياد العسكري.

و اعتبر الرئيس الصربي ذلك “هجوما” على صربيا وقال: “لم أر منذ فترة طويلة مثل هذه الهستيريا وحملة الهجمات المنظمة على دولة صغيرة واحدة”، مشيرا إلى أن مراسلي عدد من وسائل الإعلام الغربية تجمّعوا في بلغراد عشية زيارة لافروف، بغرض “تقديم زيارته على نحو غير موات لصربيا”.

لقد تمدد حلف “الناتو” شرقا على سبع موجات، أربع منها تمت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لتضم فضاء ما بعد “حلف وارسو”.

أولى هذه الموجات في مارس 1999 وضمت التشيك وهنغاريا وبولندا.

ثانيها في مارس 2004 وضمت بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا.

ثالثها في أبريل 2009 وضمت ألبانيا وكرواتيا.

وآخرها في يونيو 2017 ومارس 2020 وضمت الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية.

لهذا لم يكن من المستغرب أن تهرع الدولتان الأخيرتان في الانضمام إلى الحلف لتقديم فروض الطاعة والولاء والخضوع لمن يسبقهما من الدول التي تعاني من “روسوفوبيا” مزمنة مثل بولندا ودويلات البلطيق، وبالتالي لأوروبا القديمة الكهلة التي لا تخلو من حكمة.

إلا أن تلك الحكمة لم تمنع الصغار من استفزاز الكبار للإقدام على مثل هذا الهزل الدبلوماسي، وكشف عورة الديمقراطيات الأوروبية الغربية بتلك “الهستيريا” غير المبررة، والتي لا يمكن تبريرها سوى بما قاله لافروف بعدما تعذر وصوله إلى بلغراد بأن ذلك يؤكد على أن الأمور ليست على ما يرام لديهم في أوروبا، مشيرا إلى أن ما حدث “لا يمكن تصوره، وهو عمل مثير للاستياء”، ومؤكدا على أن “محركي الدمى في بروكسل” لم يرغبوا في إعطاء روسيا منبرا في بلغراد للتعبير عن موقفها من عدد من القضايا الإقليمية.

لا تبدو أوروبا القديمة متحمسة للمواجهة، أو للصراع. فهي تدرك تماما، بالخبرة قبل المعرفة، عواقب الحرب، ومعنى الحرب الشاملة، كما تعرف حق المعرفة تاريخ روسيا وحروبها. وحتى إذا كان الصغار في “الناتو” لا يدركون ذلك جيداً ، بعدما تكفل الاتحاد السوفيتي بتحريرهم من النازية، التي جرفت أمامها كل هذه الدول والدويلات دون عناء، فإن الكبار في أوروبا يعرفون جيدا أن روسيا، حتى وإن لم تكن هي الاتحاد السوفيتي، إلا أنها أمة قادرة على كتابة التاريخ من جديد، بل إن هستيريا الحرب، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على العملية العسكرية، والرغبة المشؤومة في حل المشكلات على أرض المعركة لا على طاولة المفاوضات، وصم الآذان عن أي رؤى أخرى سوى الرؤية الغربية المريضة، التي تريد محو روسيا من على خريطة أوروبا، و”طردها” نحو آسيا، حتى لو كان ثمن ذلك ملايين الأوكرانيين، الذين تتخذهم كييف، برعاية واشنطن المخضرمة في شؤون تنسيق الإرهاب بجميع أشكاله وألوانه، دروعا بشرية لها. ثم تتحدث الصورة ومقطع الفيديو والفبركات الإعلامية وهيمنة الإعلام الغربي على شاشات العالم.

إلا أننا هنا في روسيا لا زلنا نمارس السياسة، ولا زلنا نكتسب أصدقاء مع الأيام، ونكتشف صداقات راسخة قديمة، وتاريخا يجمعنا بكثيرين ممن يفهمون طبيعة الصراع، ولا ينخرطون في الجوقة القبيحة التي تغني بأوامر واشنطن وصغارها حول العالم، بعد ما قطعوا البث عن جميع وسائل إعلامنا، وأصبحت الحقيقة صعبة المنال، وتحتاج إلى بحث ومجهود، بل ووسائل تقنية لتجاوز الرقابة والحذف.

ينطلق الوزير لافروف خلال الساعات المقبلة إلى تركيا حيث يناقش هناك قضية تصدير الحبوب الأوكرانية، حيث يأمل الجانب التركي أن تمهد هذه الزيارة للتوقيع على بروتوكول ومذكرة بهذا الصدد، وهنا يتعين علينا العودة بالذاكرة إلى ما جنته بلغاريا من إضاعتها فرصة مد أنبوب الغاز من روسيا، بعد تراجعها عن مشروع “السيل الجنوبي”، وهي الفرصة التي اقتنصتها تركيا وبنت “السيل التركي” الذي يعمل اليوم بكفاءة وفعالية.

كذلك سوف يكون على جدول الأعمال قضية الإجراءات الأمنية التي ترغب تركيا في اتخاذها بالشمال السوري لتعزيز أمن حدودها، وبدء عملية نقل ما يقرب من 3 ملايين لاجئ سوري موجودين على الأراضي التركية إلى موطنهم في سوريا. وتلك قضايا على درجة عالية جدا من الحساسية، وتتطلب قدرا رفيعا من الثقة المتبادلة ما بين الشركاء، وهو الحال في العلاقات الثنائية مع تركيا، التي تكتسب أهميتها اليوم أكثر من أي وقت مضى.

وبينما يغلق الغرب أجواءه لعبور طائرة لافروف، تفتحها الأجواء التركية، فما يتشدق به الغرب، يتكسر أمام أعيننا على صخرة رغبته المريضة في تدمير الاقتصاد الروسي وما أقدم ويقدم عليه من خطوات حمقاء، على الرغم من ضررها الشديد على الغرب نفسه. وما نراه من هستيرية في التعامل مع زيارة دبلوماسية يؤكد أن الإرادة السياسية لأي دولة داخل حدود أوروبا ملك لبروكسل التي تأتمر بمكالمات تليفونية من واشنطن العاصمة.. “عاصمة العالم” كما تبدو الأمور في النظام العالمي أحادي القطبية. إلا أن هذا النظام يتهاوى ويسقط الآن أمام أعيننا، بينما نشهد صناعة تاريخ جديد.. وأوروبا جديدة، ربما لا تخاف لافروف.

#مرايا_الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى