
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
في حديثه لرئيسة تحرير شبكة RT مرغريتا سيمونيان
صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأنه نتيجة لإمداد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الفتاكة، تغيرت جغرافيا العملية العسكرية الروسية الخاصة وستتوسع إلى مناطق أخرى من أوكرانيا خارج حدود لوغانسك ودونيتسك.
ورداً على سؤال حول المشاعر التي انتابته عند بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، قال إن العملية كانت حتمية وأنه تنفس الصعداء بسبب الشروع فعلياً في الدفاع عن مواطني دونباس، ممن عانوا الأمرين خلال ثمان سنوات ماضية من الحرب والقصف والقمع والتعذيب والعنصرية بسبب رفضهم للنظام العنصري الذي جاء نتيجة لانقلاب عام 2014، ولم يرضخوا له.
انتفض أهل شبه جزيرة القرم وقرروا وبسرعة الانضمام إلى روسيا في استفتاء شرعي بات، لا يختلف شيئاً عن “استفتاء كوسوفو”، الذي أرسى تقليد انفصال الإقليم عن الدولة الأم، استناداً إلى استفتاء برلماني نزيه وشفاف وكما فعلوا فعلنا، إلا أن العالم “الحر” يعترف بسطر ويترك سطراً يعترف بما يروق له ويتماشى مع مصالحه، ولا يعترف بما لا يعجبه ويعارضها، هكذا تسير أوهام الغطرسة والقوة وعالم هيمنة القطب الواحد البائد.
أما دونباس، فلم تسعفهم الظروف وظلوا ثمان سنوات يرزحون تحت نظام كييف النازي، وواجهوا عمليتين عسكريتين فاشلتين من جانب النظام وكتائبه النازية، فضلاً عن الاغتيالات السياسية وقطع المياه والكهرباء وسبل الحياة.
في بداية العملية العسكرية الخاصة، نجحت روسيا في تدمير معظم البنى التحتية التي بناها “الناتو” لأوكرانيا، وخطط لاستخدامها في استراتيجيته الموجهة ضد روسيا، صراحة وعلنا وبالمستندات والوثائق، لمن يجيد القراءة والتحليل، ومع دخول الحرب مرحلتها الثانية، وترنح النظام الساقط في كييف، أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن عليها أن تدفع إلى محرقة الحرب بمزيد من المواطنين الأوكرانيين والمرتزقة، وواصلت إمدادهم بالأسلحة الدفاعية بداية الأمر، ثم بالفتاكة فيما بعد، حتى وفرت لهم راجمات الصواريخ “هيمارس” التي يمكن أن يبلغ مداها 300 كيلومتر، وهو ما يشكل تهديداً للمناطق المحررة في دونباس.
نذكر هنا بأن جمهورية لوغانسك الشعبية قد تحررت بالكامل بعد سيطرة قوات الجمهورية بمساعدة القوات المسلحة الروسية على أكبر المدن، ليسيتشانسك، ويدور الحديث الآن عن السيطرة على جمهورية دونيتسك الشعبية قريباً وفقاً لتقديرات الخبراء.
لهذا فإن تزويد المقاتلين الأوكرانيين المتطرفين، والجيش الأوكراني الذي يأتمر بأوامر القيادة النازية في كييف، بصواريخ يمكن أن تهدد لا المدن المحررة في لوغانسك ودونيتسك فحسب، بل وعمق الأراضي الروسية، يعني ببساطة أن على الجيش الروسي أن يسيطر على منطقة عازلة أعمق في الداخل الأوكراني، حتى لا يسمح لتلك الراجمات بالوصول إلى حدوده.
وكلما زاد فتك الصواريخ والأسلحة التي يوفرها الغرب، كلما اتسعت رقعة المواجهة الجغرافية، فروسيا لا ولن تتنازل عن أمنها القومي تحت أي ظرف من الظروف وتحت أي مسمى من المسميات، وذلك لا يدخل ضمن قضايا التفاوض على الحل السلمي.
قد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن مطالبه الأمنية في ديسمبر من العام 2021، وكانت مطالبه محددة وواضحة وضوح الشمس، إلا أن أحدا في “البنتاغون” أو “الناتو” لم يلتفت إلى تلك المطالب، ولم يأخذها على محمل الجد، فجاءت العملية العسكرية الخاصة لتلقن الغرب درساً من المؤسف أن يكون من بين تلاميذه الدولة الأوكرانية، التي تسببت الممارسات العنصرية لقادتها خلال الثماني سنوات الماضية، في مقتل 8000 من مواطنيها في لوغانسك ودونيتسك وانفصال هاتين الجمهوريتين عنها، كما سبق وانفصلت شبه جزيرة القرم، بعد أن قرر النظام في كييف ممارسة دور “رأس الحربة” لـ “الناتو” والخادم المطيع للاتحاد الأوروبي مقابل مليارات الدولارات واليورو.
وبينما تظهر لنا ملامح تذمر وتوتر داخل المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي، التي تعاني الآن من أكبر معدلات تضخم شهدتها القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود، وبينما يتساقط القادة إزاء ما اقترفته عقولهم وأيديهم، فإنه لم يكن ذنبنا في روسيا أن تنجح الولايات المتحدة الأمريكية بسهولة في خداع المسؤولين الأوروبيين السذج ولا أقول الحمقى، لتحمل العواقب الأكثر إيلاما للعقوبات المفروضة على مواطني الاتحاد الأوروبي، بدعوى أنها عقوبات “ضد روسيا”.
ولم يكن ذنبنا أيضا أن يتم تلغيم البحر الأسود وموانئه من قبل الجيش الأوكراني والكتائب القومية الأوكرانية المتطرفة، فتقف حركة تصدير القمح الأوكراني.
وليس ذنبنا أن تتوقف الموانئ العالمية عن استقبال سفننا المحملة بالحبوب والأسمدة، فيقف العالم أمام أزمة غذاء عالمية تهدد حياة الملايين من البشر.
وليس ذنبنا كذلك ألا يتم منح التراخيص لخط أنابيب “السيل الشمالي-2″، ولا أن تعجز شركة “سيمنس” عن صيانة التوربينات بمحطات خط أنابيب “السيل الشمالي-1” فتنخفض كميات الغاز التي يتم ضخها إلى أوروبا بسبب العقوبات التي فرضتها الاتحاد الأوروبي! إنهم الأوروبيون يضربون أنفسهم بالرصاص ويتهموننا في روسيا بذلك.
بل وفوق هذا وذاك، تصدر أصوات لبعض السياسيين، الذين يتهمون روسيا بالتدخل في السياسة الداخلية الإيطالية!
يبدو المشهد هكذا: يتمدد “الناتو” خلال ثلاثين عاماً نحو الشرق حتى يتاخم الحدود الروسية، يحاول السيطرة على مقادير أوكرانيا وينصب فيها القواعد العسكرية القادرة على استقبال الرؤوس النووية الغربية، وحينما ندافع عن أمننا الوطني، يصفنا من صالوا وجالوا في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا وسورية وتسببوا في مقتل الملايين من الأبرياء حول العالم بـ “العدوانية” و”البربرية”.
إن روسيا تتابع بشكل دقيق وترصد كل الأضرار التي لحقت بها من جراء السياسات الأوروبية الحمقاء، وسوف يتم تقديم فواتير بالأضرار التي لحقت بالاقتصاد الروسي، وإجبار الدول المتسببة في ذلك على سدادها، كل على انفراد، وسيتم الإعلان عن كل هذه الحسابات، حتى يتعرف عليها مواطنو البلدان المتسببة في ذلك، ليعلموا قدر انعدام المهنية التي لحقت بنخبهم السياسية. وستصدر دراسات مفصلة عن الأضرار التي تسببت بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحديدا، فيما يخص قضايا الغذاء والطاقة.
كذلك فستدفع الدول التي وفرت الدعم والمساعدة للنظام النازي في كييف ثمن ذلك، وسيعلم الجميع، ولو بعد حين مدى تأثير إطالة واتساع مدى ونطاق العملية العسكرية، وستجبر هذه الدول على دفع فواتير تلك الأضرار ولن يكون هناك تساهل بهذا الشأن.
سوف يكون الشتاء المقبل بارداً في أوروبا، وسيدرك المجتمع الأوروبي لا انعدام الخبرة والأفق السياسي والمهنية لدى نخبه السياسية، وإنما انعدام الضمير والأخلاق كذلك، لخوض مغامرة على هذا القدر من الطيش والرعونة، وسوف تؤثر موجة اللاجئين جراء أزمة الغذاء العالمية، على مستوى حياة المواطن الأوروبي العادي.
ومع كل التقدير لجهود الوساطة من جانب مصر وتركيا والإمارات وغيرهم من الدول التي تسعى لرأب الصدع، وإيقاف العمليات العسكرية، فإن الأمر يتعلق لا بالأمن القومي الروسي وحده، وإنما يتعلق كذلك بما خلقه النظام النازي في كييف من شرخ عميق بين الأخوة بين الشعب الأ,كراني والروسي والبيلاروسي، فملايين المواطنين من هذه البلدان موزعون بين روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا بينما تربطهم علاقات أسرية متشعبة، وهم في واقع الأمر شعب واحد يربطه تاريخ وأرض ومصالح وآمال واحدة.
الآن، وواقع الأمر هو أن العملية العسكرية الروسية الخاصة لن تتوقف، إلا حينما تطمئن القيادة الروسية من عدم وجود أي خطر يهدد حدود الجمهوريات المستقلة في دونيتسك ولوغانسك، أو يهدد شبه جزيرة القرم الروسية، التي يسعى الإرهابيون الأوكرانيون المتطرفون إلى العدوان عليها، بل خرجت وتخرج بعض الأبواق الإعلامية الموالية للغرب ولأوكرانيا لترغي وتزبد باستهداف جسر القرم، وهو جسر مدني، لا علاقة له بأي منشآت عسكرية من قريب أو بعيد.. إلا أنه الإرهاب بعينه، يتم تحت سمع وبصر “الغرب الديمقراطي الحر” ولا يثير ذلك حفيظة المتشدقين بحقوق الإنسان واستهداف المدنيين الأبرياء. لكن ذلك ليس غريبا على من زرع تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، وخطط ونسق وقام بانقلابات جهاراً نهاراً وتحدث عن ذلك في جميع وسائل الإعلام، لأن هذا أو ذاك النظام لم ينفذ مطالبهم.
إن ازدواجية المعايير الغربية، والتي نعرفها نحن العرب في منطقة الشرق الأوسط أكثر من أي شعوب أخرى، تظهر اليوم أكثر من أي وقت مضى، وتمكنت روسيا، باقتدار في حقيقة الأمر، من فضح الغرب أمام مواطنيه، وأعتقد أن استقالة رئيس الوزراء البريطاني، فالإيطالي سوف تليها استقالات أخرى. بقي فقط أن ننتظر.
#مرايا_الدولية