سياسةلبنان

بين المتغيرات الأميركية، والثوابت الايرانية

 

الياس المر – مرايا الدولية

مدير مكتب بيروت

نعم، كثيرة هي المتغيرات ومتسارعة هي الأحداث والتطورات السياسية على الساحتين الاقليمية والدولية، وكل منها يتمحور حول عناوين بأغلبها مزيف وفضفاض، تخفي في طياتها الحقيقة الكامنة وراء كل ما يجري، 

منذ مطلع الألفية الثانية، وضعت المنطقة ودولها على صفيح من نار، وقودها الطائفية، هدفها تفتيت المنطقة ونهب ثرواتها، والمبتغى الأول، أمن اسرائيل. 

٢٠٠٤ اغتيل في بيروت رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، استغل الخلافه السياسي المستجد والمفتعل مع سوريا، فكان الاتهام جاهز، مع تلميح حتمي يطال حزب الله، بهدفين، الأول بدء الاقتصاص من سوريا الممانعة للسياسات الغربية، والهدف الثاني، ضرب القوة الناشئة المقاومة في لبنان، حزب الله، من خلال جره الى حمام من الدم، بسواعد داخلية، سنية شيعية، قبيل غزو العراق وتهيئة الأرضية الخصبة لهذا الصراع.

فشل المخطط، ولم يأتِ بنتائجه السريعة المطلوبة، فكان عدوان تموز، للاقتصاص من المقاومة التي دحرت العدو، وما أضلت البوصلة، وتعالت عن الصراع المرسوم لها، صراع الاخوة واهل البيت، وأيضا انتصرت، فكان لا بد من عقاب أوخم، بحجم الانتصار، فكانت العقوبات المضاعفة على ايران، ومن ثم الهجمة الكونية على سوريا المقاومة، وانتصرت بدورها، بفضل عاملين حاسمية، تماسك جيشها وارادة شعبها من جهة، وثبات موقفها، ووقفة حلفائها الى جانبها، فلا هي تركتهم، ولا هم على استعداد لتركها، لأن أمنها من أمنهم القومي، وسقوطها، معبر أساسي للوصول الى طهران وموسكو.

وأتى الجواب بحزمة ترمبية مضاعفة من العقوبات الحادة، التي تتعارض وجميع القيم الانسانية التي ترعاها المؤسسات الدولية الفاشلة، المنحازة، العاجزة والعقيمة، وكذلك الأمر، أجبرت الادارة الأميركية ازاء الفشل العسكري والسياسي، اللجوء الى الاحتياط، فكان الاعلان عن تطبيع الدول العربية مع كيان العدو الاسرائيلي، نعم أقول “الاعلان” لأنها مُطبعة أصلا، ولذلك لم يكن لفعل الاعلان مفعول المفاجأة وتأثير كبير، مما جعلها خطوة بمصاف لزوم ما لا يلزم، الا لجهة سقوط أقنعة هذه الانظمة، أمام شعوبها والعالم، وتعريتهم من كل الأكاذيب التي طالما حاولوا التمسك بها، لرسم خيالات بطولية قومية أمام جمهورهم.

كل هذه التكاليف السياسية والعسكرية من أجل اخضاع ايران والجلوس معها على طاولة مفاوضات، ترفض تحت وقع الضغوطات السياسية والعقوبات الاقتصادية، متسلحة بثوابت أساسية، ترفض الخضوع وتغيير “سلوكها” متمسكة بثوابت لا نقاش عليها، قوامها الوقوف خلف شعوب المنطقة ودعم قضاياها المحقة، دعمها المطلق للقضية الفلسطينية، ولفصائل المقاومة، وبتماسك شعبي داخلي، طالما حاول الغرب عبثا، العبث به.

أوراق كثير لا زالت ايران تمتلكها في المنطقة، من اليمن الى العراق مرورا بلبنان وسوريا وغزة وقطر وتركيا وافريقيا سياسيا، أضف اليها الأوراق العسكرية وقوامها القدرة الهجومية والدفاعية والقدرة على الرد السريع على أي اعتداء، والقدرة الصاروخية التدميرية، وانتشار مئة وثمانون ألف جندي أمركي تحت مرمى قدرتها الصاروخية هذه، ناهيك عن الهدف الأثمن غربيا، سقوط كيان العدو، تحت مرمى الصيلة الأولى، والتي من المرجح أن تكون الأخيرة والقاضية على منشآته الحيوية، العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية، عدى عن أهداف الخليج العربي ومنشآته، في حال كانت شريك مباشر، غير مباشر أو ممر ومستقر أو ممول لأي اعتداء يطال ايران.

كل هذا تعرفه المؤسسة التي تحكم أميركا، وهي نفس المؤسسة التي منعت، تمنع، وستمنع أي ضربة عسكرية على ايران، ولهذا لجأت الى الغدر باستهداف اللواء سليماني خارج الأراضي الايرانية، وتقوم بتفويض اسرائيل توجيه ضربات موضعية في سوريا، ولذلك كل المسرحيات التهريجية التي يقوم بها ترمب لا تعدو كونها ارهاصات وردات أفعال على خيبته السياسية من خلال فشل مخططه باخضاع ايران وسوقها الى طاولة المفاوضات، وخيبته الانتخابية، التي ساهمت ايران الى جانب عوامل أخرى بتحقيقها.

سنسمع الكثير في الأسابيع القادمة، حول خيارات وسناريوهات عسكرية متعددة، وكما قال سماحة الأمين العام، السيد نصرالله، تبقى كل الاحتمالات الخارجة عن المألوف واردة ومنتظرة من القيادات غير المسؤولة التي تتبوأ مراكز القرار، وخصوصا في ظل الانقسام الحاد الذي لم تشهد له الولايات المتحدة مثيل وسلوك ترمب المرضي، واستعداده لتسليم بايدن أرض محروقة، يبقى ذلك احتمال، ولكن حتما ليس هاجس بالنسبة لمحور المقاومة، خصوصا أن خطوات الرد جاهزة ومدروسة، كل بحسب جحمه.

في ظل متغيرات كبرى، تبقى الثوابت الوطنية والقومية لمحور المقاومة ثابتة، مع مرونة كامل للتعامل مع اي تطورات او متغيرات، بما فيها احتمالية الانفتاح على حلفاء جدد، في أكثر من منطقة، قد تغير تفاصيل المشهد، على أكثر من ميدان، والأيام المقبلة كفيلة بكشف جزء من الأوراق التي ستحمل صفة المفاجئة، في سوريا، شمال لبنان وجنوب اليمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى