يؤمن الدكتور قتيبة الجبوري رئيس كتلة برلمانية في البرلمان العراقي وممثل عن محافظة صلاح الدين بقدرة وقوة الشعب العراقي التي تمكنه دائماً من تجاوز كل ما يخطط له من مؤامرات والانتصار في حربه على داعش التي تعد إحدى الأوراق التي استخدمت من قبل بعض الدول لتقسيم العراق.وما يعزز قدرة الشعب العراقي من وجهة نظره التكوينة الاجتماعية التي تشبه فسيفساء جملية فالشعب العراقي بكل مكوناته لا توجد مشاكل اجتماعية فيه وإن ظهرت بعض الاصوات التي تعزف على الوتر الطائفي في لقائه مع مجلة مرايا لبنان الدولية يسلط الدكتور الجبوري الضوء على بعض القضايا القائمة في المجتمع العراقي وكيفية التصدي لداعش والانتصار عليه ودور الحشد الشعبي في هذه المعركة ومدى قدرة العراق على مواجهة الصراعات الإقليمية.
معالي الدكتور نبدأ من نظرتكم للمجتمع العراقي سنة وشيعة ومسيحيين وأكراد وايزيدين وغيرهم كيف يعيش هذا المجتمع بكل هذا التنوع الموجود فيه؟
بداية نرحب بكم في العراق، ربما تكوينته الاجتماعية هي عبارة عن فسيفساء جميلة قائمة منذ آلاف السنين وامتدت إلى يومنا هذا دون أن وجود أية مشكلة اجتماعية بين أي مكوّن من هذه المكونات، وكل ما يشاع عن وجود مشاكل هو عار عن الصحة تماماً.
هناك نعم من يلعب على الوتر الطائفي، ربما من كل الأطراف ولا أستثني أحداً هنا يوظفونها من أجل مصالحهم السياسية، وهي ورقة سياسية بيدهم يستخدمونها للبقاء في مناصبهم وعلى كراسيهم التي لا يزالون عليها منذ العام 2003 وحتى الآن.
وأعطيك مثالاً عن عدم وجود مشاكل اجتماعية بين مكونات الشعب العراقي أنه عندما سقطت محافظات صلاح الدين وديالا والأنبار ونينوى بيد عصابات داعش الإرهابية المجرمة التي لم يشهد لها التاريخ عصابات مشابهة بالإجرام وما ارتكبته من فظائع وتخريب خاصة تجاه آثار العراق وكأنها تريد من خلال هذا التدمير أن تطفئ جذوة وشعلة هذا البلد الذي كان حاملاً لشعلة العلم والمعرفة منذ القدم وأنار بعلمه ومعرفته كل أرجاء المعمورة وشاهدتم كما شاهد العالم عبر شاشات التلفاز كيف ينتقمون ويدمرون آثار نينوى وهي آثار ممتدة لآلاف السنين وبالتالي داعش لا يستهدف البشر فقط وإنما أراد للعراق أن يمسحه من الخارطة بحاضره وماضيه وحتى مستقبله ، فأن أبناء الجنوب جاؤوا دفاعاً عن صلاح الدين والموصل وديالا وانصهرت الدماء بالدماء وسالت على هذه الأرض وتحررت من رجس داعش ونحن من جيل لجيل أبناء هذه المحافظات سنبقى نستذكر تضحيات ودفاع كل هؤلاء.
إذا الإرهاب أراد استهداف هذه الفسيفساء ودخلت البلاد في أتون هذه الحرب كيف واجهها العراقيون؟
أؤكد أن الأمر الذي انعكس إيجاباً على العراقيين نتيجة احتلال داعش لبعض المناطق أن الشعب العراقي وقف صفاً واحداً لقتال هذه العصابات الإجرامية حتى ولو كان هناك خلافات عقائدية أو فكرية لكن عندما جاءت داعش وقفنا جميعاً معاً للحفاظ على بلدنا وطرد داعش منه وكانت هذه رسالة لكل العالم أن العراقيين وقفوا جنباً إلى جنب للدفاع ليس فقط عن العراق وإنما عن الأمة العربية والإنسانية جمعاء.
الحشد الشعبي جاء بفتوى من المرجعية الدينية وهم شباب عراقيون وكثير منهم غير مؤهلين لحمل السلاح وهم صغار السن ولكن الدم العراقي الذي يجري في عروقهم دفعهم للذهاب للدفاع عنه وقتال داعش والدفاع عن صلاح الدين والموصل وديالا وسالت أنهار الدماء للحفاظ على أرض هذه البلد لتبقى عفيفة وطاهرة، هذه الحالة هي عبارة عن اندفاع شعبي لكل العراقيين والحمد لله نتائجها ظهرت وإن كان هناك خسائر وشهداء كثر متشرفين غير مكلفين.
عندما نتحدث عن الحشد الشعبي يظن الكثيرون أنه يخص الطائفة الشيعية فقط في حين أنه يضم الكثير من الفصائل السنية، هل دخول السنة في الحشد إفشال لمخطط الفتنة الذي بدأتم حديثكم عنه وما هو دور فتوى المرجعية بذلك؟
لولا فتوى المرجعية الدينية لربما كان داعش الآن في البصرة لأنه كان هناك حالة من الانكسار المعنوي في صفوف القوات المسلحة العراقية وكما نعلم ان الانكسار المعنوي خاصة بالجيش من أصعب الحالات التي لا يمكن علاجها لكن فتوى المرجعية الدينية الرشيدة أتت في اللحظة المناسبة وبسببها تشكّل الحشد الشعبي الذي أوقف زحف داعش وأعطى دافعاً لباقي الفصائل والقوات العراقية المسلحة أن تستعيد قواها وتتجمع من جديد وتبدأ بمهاجمة داعش لتحرير الأراضي التي احتلها وهذه فوائد المرجعية الدينية وصدقني الحشد الشعبي هو حالة عفوية ومنذ تأسيسه كان هناك فصائل سنية فيه حيث يوجد لواء كامل من صلاح الدين مرتبط به، فالحشد الشعبي اليوم من الناحية القانونية هيئة مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة وفق القانون الذي صوت مجلس النواب العراقي وأخذ دوره من الناحية الإدارية وبقيت بعض التعليمات التي يصدرها مكتب القائد العام للقوات المسلحة، من هنا فإن الحشد الشعبي اكتسب شرعيته كهيئة مرادفة للقوات المسلحة العراقية ولا يستطيع أحد أن ينكر دور هؤلاء الأبطال الذين قاتلوا واستشهدوا ولا ننسى دور عائلاتهم وأمهاتهم اللواتي كبرن الأبناء وأرسلوهن للدفاع عن العراق ومنا رسالة عرفان لكل أمهات هؤلاء الأبطال بأننا سنبقى مدينين لهم بالفضل وسنتحدث عن هذا الفضل والدور الكبير في تربية الأبناء من جيل لجيل.
على أرض العراق تتصارع القوى الإقليمية والدولية ما هو دور العراقيين في مواجهة هذه الصراعات وأي مستقبل يرسمونه؟
من وجهة نظر سياسية ومن وجهة نظري حتى عندما كنت وزيراً فقد تحدثت مع رئيس مجلس الوزراء وقلت له بضرورة أن ينأى العراق بنفسه عن الصراعات الإقليمية والدولية وأن لا يتحول لساحة صراع، العراق اليوم جريح حيث عانى الشعب العراقي لأكثر من خمسة عقود من حرب تلتها حرب، وبالتالي حدثت عملية إجهاد وتعب شديد لهذا البلد فكلما أراد أن ينهض يدخل في حرب وعلينا كعراقيين وسياسيين سواء من هو قائم على الملف الدبلوماسي ورئيس الوزراء ومجلس النواب أن نبعد بلدنا عن الصراعات وأن لا يتحول لساحة صراع ولا ننحاز لطرف على حساب الطرف الآخر بل أن يكون لنا علاقات متوازنة مع الجميع خاصة مع دول الجوار وأن نتبادل الاحترام مع هذه الدول على أساس سيادتها وسيادة العراق.
ولا يخفى على الجميع أن هناك دولاً كان لها فضل على العراق في حربه ضد داعش مثل إيران وكان لها دور في دعم الحشد الشعبي وهو دور إيجابي يحسب لها ولكن إن سيادة العراق منوط بأهله وحكومته وجميع دول الجوار عليها أن تحترم سيادة العراق وصدقني هذه حالة وقتية، ربما أصاب الجسد العراقي بعض الوهن ولكن هذا الجسد سيتعافى.
من خلال معرفتي بكم ذكرتم عبارة «السنة المعتدلة»: ماذا تعني بالمفهوم السياسي؟
أنا عراقي وهذا النهج السياسي الذي اتبعته بالدورة السابقة وتربطني علاقة طيبة ومتوازنة مع الجميع ولا أنظر من منظار طائفي لأحد ولا تعمل عندي الطائفية بمقدار شعرة واحدة وهذا مشهود لي وقد دفعت ثمناً لذلك فعندما كنت في القائمة العراقية كان رأيي منذ البداية أن يكون هناك اتفاق بين دولة القانون التي يترأسها السيد نوري المالكي والقائمة العراقية بحيث نشكل كتلة على الأقل تكون كتلة عروبية بعيداً عن الطائفية ولو تم ذلك لما وصل العراق لما وصل عليه اليوم.
هل تدعون مجدداً لمثل هذا الاتفاق؟
طبعاً يجب أن يكون هناك قوة سياسية وطنية بمثابة مخرج لما نحن فيه وقد طرحنا هذا الكلام منذ أربع سنوات وكان سبباً في فصلي من القائمة العراقية بحجة أنني انحاز للكتل السياسية الشيعية كما فسرها بعض المتطرفين الذين أصبحوا اليوم يتصدرون المشهد في قائمة نحن بنيناها في عام 2010.
اليوم بدأت تظهر بصمة دولية تتدخل وتؤثر في المشهد السياسي السني ولا أقول في المشهد الشعبي من وجهة نظر سياسية كل الساسة السنة الذين يمثلون المحافظات السنية فقدوا شرعيتهم بعد أن سقطت المحافظات بيد داعش وبالتالي أن تأتي دول وتصنع مشاريع سياسية طائفية في المناطق السنية أمر غير مقبول بالنسبة لنا ونحن نرفضه جملة وتفصيلاً.
هناك 25 شخصية سنية أغلبهم لا أعرفهم وهم خارج العراق لم يسهموا في قتال داعش ولم يعانوا ما عاناه أهل السنة من ويلات الحرب ولم يقدموا مساعدات مالية لمن يقاتلون داعش أو للنازحين لا بل على العكس كانوا يأخذون المساعدات التي كانت تقدم من الدول العربية باسم أهل السنة وعلى سبيل المثال أحد هؤلاء أصبح يتصدر المشهد السياسي خارج العراق وتدعمه دول وللأسف منها بعض الكتل السياسية الشيعية وبدأت تؤسس لعودته ليس محبة به بل لتصنع منه رمزاً طائفياً بالاتجاه السني كي تبقى الرموز الطائفية الشيعية بالاتجاه الشيعي وللتذكير هذا الشخص أعطاه أحد التجار الكويتيين مالاً كزكاة ليوصلها للنازحين في شمال العراق أخذها ولم يسلّم منها شيئاً للأسف اليوم هذه الدول تريد أن تعيد تصدير هذا الشخص وأمثاله رغم أن بعضهم محكوم في العراق غيابياً.
أعتقد أن أهل السنة بشكل عام لا توجد لديهم أي حالة طائفية أو توجس تجاه الشيعة والدليل هو التعايش بين أبناء الحشد الشعبي بمختلف فصائله.
كأنكم بذلك تريدون إيصال رسائل بأن الحشد استطاع الجمع بين كل مكونات الشعب العراقي وأوجد هذا التناغم الذي تتحدثون عنه؟
نعم لذلك نحن كسنة معتدلين بقينا نحافظ على الخط الوطني ولهذا السبب هناك محاولات لعزلنا وللأسف الإخوة الشيعة يتخندقون أيضاً شيعياً وهؤلاء احتضنتهم دول وتدعمهم باتجاه طائفي لتعيد تصديرهم من جديد وبقينا نحن كعراقيين نسير على خط وطني وننظر للعراق كله كعراق واحد ولم ننحاز بأي اتجاه وأنا واثق أن الشعب العراقي لن تنطلي عليه هذه المحاولات والمؤامرات التي تحاك من الخارج لأنهم وصلوا لقناعة بأن الحلول السياسية لا يمكن أن تأتي من الخارج والحل بيد العراقيين، والدليل على ذلك سورية وما وصلت إليه.
كرئيس كتلة برلمانية وممثل عن محافظة صلاح الدين ما هي رسالتكم للشعب العراقي بعد أن حرّر أرضه وكيف يمكن أن يواجه المحاولات لتفكيكه؟
أنا ابن هذا الشعب وأهلي العراقيين عانوا على مر العصور الكثير من المشاكل والويلات واليوم كثير من الأوراق استخدمت لتقسيم العراق وكان آخرها ورقة داعش وكل من يقول لك أن داعش حالة عفوية غير صحيح بل هي ورقة دولية مخابراتية اشتركت فيها دول عديدة وكان الهدف من داعش تغيير خارطة الشرق الأوسط بشكل كامل والهدف ضمان عدم وجود دولة عربية قوية مجاورة لإسرائيل وما هذه المشاريع السياسية التي تدعمها بعض الدول العربية إلا ترجمة لهذه الخطة وعقد هذه المؤتمرات «مؤتمر أنقرة» يعد اللبنة الأولى لتقسيم العراق على أسس طائفية لذلك رسالتي لأهلي أن ينظروا للعراق على أنهم شعب واحد ويحرصوا على أن يبقى العراق موحداً وان يتماسكوا ويصبروا وأنا على ثقة بأن الله حابى هذا البلد لأنه بلد الأنبياء وأهل البيت (ع)، وسينتصر العراق بنهاية هذا المعترك ويبقى موحداً وهذا همنا الوحيد وعندما رفضنا أن ننزوي طائفياً لأننا أردنا القول أن هناك بقية سياسية تنظر للعراق على أنه واحد وان نبقى حلقة الوصل بين كل مكونات الشعب العراقي والاهم أن نحافظ على هذه الحالة من الاعتدال السياسي كحلقة وصل بين الشيعة والسنة ونأمل أن تكون هي النواة لتكوين مشروع عروبي في المستقبل، فالعراق لا يمكن ان يستقر إلا بحكومة أغلبية سياسية ولا نقصد هنا أن نستثني الكرد بل على العكس بل تكون حكومة قوية تخرج البلاد من هذا النفق
حاوره: رئيس التحرير