 
						الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر
صرحت مصادر “إسرائيلية” بأن تل أبيب “تقترب من مرحلة اتخاذ قرار بشأن الخطوات المقبلة على الجبهة الشمالية”.
يأتي ذلك على خلفية مزاعم بما تسميه إسرائيل “انتهاكات” من جانب “حزب الله”، فيما زارت الموفدة الأمريكية الخاصة مورغان أورتاغوس، الاثنين الماضي الحدود اللبنانية، حيث تلقت إحاطة ميدانية من وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وقائد المنطقة الشمالية اللواء رافي ميلو.
توجهت أورتاغوس بعد ذلك إلى بيروت “لنقل رسالة إلى الحكومة اللبنانية، في محاولة للضغط على بيروت لضبط أنشطة (حزب الله) في الجنوب اللبناني” وفقا لقناة i24NEWS العبرية.
بالتوازي، بدأ “جيش الاحتلال الإسرائيلي” قصفاً جوياً ومدفعياً كثيفاً على غزة مساء الثلاثاء الماضي، قبل أن يعلن الأربعاء العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، ادعى الجيش بأنه يرد بذلك على إطلاق نار تعرضت له قواته جنوب القطاع ما أسفر عن مقتل جندي، فيما نفت “حماس” أي علاقة لها بالأمر.
أعتقد أنه من السذاجة أن نقرأ أو نسمع أن واشنطن هي الأخرى تؤكد على بناء “حزب الله” يعيد بناء قوته، وغريب ألا تعي الولايات المتحدة حتى الآن أن “حزب الله” و”حماس” ليست سوى أسماء لمفهوم أوسع وأشمل وأعمق هو مقاومة العالم الإسلامي بأجمعه ومعه القوى المحبة للسلام والعدالة حول العالم للاحتلال والاستيطان والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل جهارا في وضح النهار دون أن يهتز جفن “العالم الحر” و”الديمقراطي” ودون أن تقوم الدنيا ولا تقعد كما تفعل أوروبا مع أوكرانيا على سبيل المثال لا الحصر.
من الغريب ألا تنتبه واشنطن إلى أنه من المستحيل الحديث عن أي مستقبل لإسرائيل طالما ظلت تحتل شبرا واحدا من الأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وخاصة في القدس الشريف.
بل ومن الأغرب ألا تلاحظ واشنطن النمو المتسارع والكبير للكراهية ضد إسرائيل على مدار الساعة، وهو ما يمكن في لحظة انفجار أن يدفع نحو موجة عارمة من الكراهية ضد اليهود في جميع أنحاء العالم.
وأعتقد أننا بصدد استهزاء من الجميع بمحاولات الإدارة الأمريكية التغطية على الجرائم التي ترتكب في فلسطين ولبنان وسوريا والعربدة الإسرائيلية الأمريكية في الشرق الأوسط وخاصة ضد البلدان العربية وإيران بالتزامن مع توسع “الناتو”، الأداة العسكرية لواشنطن، والذي يهدد العالم كله تكتيكيا وعمليا حتى أن الرئيس الأمريكي، وبكل صلف وعجرفة، يهدد روسيا بوجود “غواصة نووية بالقرب من سواحلها”.
إضافة إلى ذلك، تستمر الإدارة في واشنطن بتوجيه بعض دول “الناتو” نحو الاستمرار بدعم ما تبقى من أوكرانيا الحالية البائسة اليائسة ضد روسيا، برغم وضوح جميع المؤشرات بخسارة الحرب على أرض المعركة وحصار القوات الأوكرانية في كوبيانسك وكراسنوأرميسك وغيرها.
اليوم، وبرغم ما يعلنه ترامب عن إنهائه 8 حروب، إلا أن أحدا لم يعد يثق حتى بكل محاولات الإدارة الحالية وجهود ترامب شخصيا في تهدئة الأجواء ضد إسرائيل وضد واشنطن، ولن تكون هناك أي مصداقية لواشنطن ما لم تتراجع الولايات المتحدة وبشكل علني وصريح عن إعلانها ضم القدس الشرقية وباقي الأراضي العربية في الجولان ولبنان لإسرائيل (وهو ما قام به ترامب شخصيا خلال ولايته الأولى)، والانسحاب الكامل للمستوطنين من أراضي الدولة الفلسطينية.
وعندما يعلن نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس أن الأمور “تسير بشكل جيد” فيما يخص الشرق الأوسط، مع “بشرى” انضمام دول أخرى إلى الاتفاقية الإبراهيمية، ثم يقول في نفس التوقيت إنه “شعر بالإهانة”، عندما صوت الكنيست، أثناء زيارته لإسرائيل، لصالح ضم الضفة الغربية، ويصرح بأن التصويت بدا له “سخيفاً وغريباً”، فمن الأسخف بكثير قرار واشنطن بضم القدس الشرقية لإسرائيل، الذي اتخذه رئيسه ترامب في وقت سابق.
لا بد وأن تتراجع واشنطن عن هذا الاعتراف، وتعلن اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو حزيران 1967 وفقا لقرارات الشرعية الدولية، حينها، وحينها فقط يمكن أن يكون للولايات المتحدة دور فعال ومساعي صادقة لإحلال السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، ما يمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى استقرار في المنطقة والعالم. أما ما تعلنه واشنطن، تعليقا على مقتل 50 طفل فلسطيني نتيجة القصف الإسرائيلي يوم أول أمس، بأنها “تتفهم ذلك”، فهو ما لا يمكن أن يتقبله العالم، ولا يمكن الحديث بالتزامن عن أي جهود إيجابية لواشنطن في الشرق الأوسط.
أما في أوكرانيا، فالأمر محسوم ومنته، والعملية العسكرية الروسية الخاصة تقترب من نهايتها، وستنجز جميع أهدافها، وحتى إذا ما تجرأ “الناتو” بالتدخل المباشر في مواجهة روسيا، فما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم أمس عن نجاح اختبار طوربيد “بوسيدون” النووي الغواص المسيّر بمحرك نووي، والذي يتمتع بقدرة تدميرية أشد بكثير من صاروخ “سارمات” النووي العابر للقارات كفيل بأن يعيد “الشركاء” الغربيين إلى رشدهم.
أعتقد أن على واشنطن أن تتقبل مسار انتقال العالم إلى التعددية القطبية، ولعل لقاء ترامب وشي جين بينغ اليوم في بوسان بكوريا الجنوبية، يصب في هذا الاتجاه، حيث اتفق الجانبان، وفقا للتصريحات الرسمية، بشكل أساسي على حل النزاعات التجارية الرئيسية، وأكد ترامب أن “علاقات البلدين ستكون رائعة”.
إلا أن الأهم هو اعتراف الولايات المتحدة أنها لم تعد القوة المهيمنة المطلقة على العالم، وأن ما يسمى بـ “القرن الأمريكي” قد انتهى، ومراكز القوة الاقتصادية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تؤكد على هذه الحقيقة، والعالم يتغير أمام أعيننا بمتوالية هندسية، ويجب على الجميع استيعاب هذه الحقائق والتمشي معها.
تقول قوانين الفيزياء التي عرفها منذ نعومة أظفارنا إن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه، وما نراه على الأرض من “حزب الله” أو من “حماس”، وما نراه من إجراءات تتخذها روسيا بصدد أوكرانيا، كل تلك ردود أفعال لا أفعال، والحديث عن السلام والاستقرار والتنمية والازدهار لا يمكن أن يتم إلا بالعودة إلى أصول الأزمات، وأسباب اندلاعها في المقام الأول، وهي في حالة الشرق الأوسط “الاحتلال” وفي حالة أوكرانيا “تمدد الناتو” بالمنطق والعقل وبكل بساطة.
#مرايا_الدولية
 
				



