سياسة

سماحة المرشد لطلاب الجامعات: اعرفوا عدوكم، دمروا صورته، بددوا جاذبيته.. وأنتم المنتصرون !!

 

الياس المر – خبير العلاقات دولية

في حديث سنوي له لطلاب الجامعات، أكد سماحة المرشد، قائد الثورة الاسلامية آية الله الامام الخامنئي، أكد على نقاط أساسية مهمة، لها علاقة في شرح مفاهيم المقاومة، وعلامات النصر المبين، والمنطلقات الأخلاقية للمعركة ضد الاستكبار العالمي، على أساس الحرية والعدالة،
وركز في حديثه على نقطة غاية في الأهمية، سنتناول شرحها في مقالنا البحثي هذا، ألا وهي “الجاذبية الأميركية، وانحدار مستوياتها في العالم”.

ما هي الصورة أو الجاذبية؟
هي موقف الأجانب أزاء أمر ما على مستويات وأنماط شتى، وما ردود الفعل على الأداء السياسي سوى واحدة منها، تضاف اليها الثقافة، الموسيقى، التكنولوجيا، الخدمات التعليمية الاستشفائية وغيرها من الأبواب.

عام ٢٠٠٢ أجري استطلاع للرأي في ٤٣ دولة، أشار الى مدى الاعجاب بالنواحي التكنولوجية، وتقدمها في أميركا، وأشار في الوقت عينه الى أن الأغلبية في ٣٤ دولة لا ترحب بالتأثير الأميركي في بلادها، مما يعني أن الموقف من الانجازات العلمية الثقافية وغيرها، لا يعكس بالضرورة نفس الموقف من الأداء والخيارات السياسية الداخلية أو الخارجية.

الجاذبية الأميركية عبر التاريخ الحديث؟

يمكن القول أن الجاذبية الأميركية مرّت عبر التاريخ الحديث بأربعة منعطفات انحدارية، أتت على الشكل التالي:
– في أعقاب أزمة قناة السويس عام ١٩٥٦.
– حركة تحريم القنبلة النووية في أواخر الخمسينيات.
– أثناء الحرب على الفيتنام أواخر الستينيات.
– أثناء نشر الأسلحة النووية المتوسطة المدى في ألمانيا، في مطلع الثمانينات.

وطالما كان يؤثر انخفاض الجاذبية على قدرة الولايات المتحدة من تحقيق النتائج المرغوبة من سياساتها الخارجية.

وهنا نعرض على سبيل الميثال أثار انخفاض الجاذبية على السياسة الأميركية، فالمعارضة الأوروبية للحرب في الفيتنام، أثرت مباشرتا على الدعم الشعبي لانتفاضة ديغول في فرنسا، ضد حلف الشمال الأطلسي والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي ليندون جونسون،
وكذلك الأمر في عهد الرئيس ريغن، الذي تمكن من الحصول على موافقة من الحكومات الأوروبية على نشر الأسلحة النووية لمحاصرت الاتحاد السوفياتي، مما عزز الرفض الشعبي الأوروبي، حيال سياسة عزل الاتحاد السوفياتي اقتصاديا.

منذ مطلع القرن العشرين، بداية بروز القوة الأميركية على الساحة العالمية، كانت علاقة الحب- الكره المركبة، تجاه السياسات الأميركية تتأثر سلبا أم ايجابا، بمدى قدرة أميركا، على تحقيق أهدفها في العالم، وتحقيق النتائج التي تصبو اليها، في سياساتها الخارجية.

وصلت هذه الجاذبية الى ذروتها، عند انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفرد الولايات المتحدة في ادارة العالم منفردة، منذ مطلع التسعينيات، دون بروز أي منافس أو شريك لها، على الساحة الدولية، حيث اعترفت دول كبرى مثل اليابان، بهذه القيادة، واعتبرت أن أقصى ما يمكن أن تطمح اليه تلك الدول مكانة ” نائب الرئيس” في العالم.

مع تراكم القوة، والامعان في استعمال النفوذ، خلق لدى العالم نوع من النفور والحذر من الادارة الأميركية لهذا العالم، وهذا لأسباب شتى، تختلف بين منطقة وأخرى وبين ثقافة وأخرى، وتتعدد الأسباب ويبقى نمو التوجس من السياسة الأميركية بشكل تراكمي يبقى واحدا!
في أوروبا مثلا، طالما كان الهاجس والحذر اقتصادي، وهذا ما يبرر قيام صاحب مزرعة الخراف الفرنسي جوزيه بوفيه، بتكسير محل المادونالدز في منطقته المحلية، وهذا ما يبرر ما أورده الكاتب في صحيفة ديرشبيغل الألمانية، بأن الوقت قد حان للمقاومة “قبل أن يرتدي العالم كله يافطة كتب عليها “صنع في الولايات المتحدة الأميركية””

أما الموقف الايراني السلبي من سياسات الولايات المتحدة، فمبني على قواعد ومنطلقات عقائدية، ثقافية، من هنا نفهم ما قاله الرئيس الايراني عام ١٩٩٩، ” فان النظام العالمي الجديد والعولمة التي تحاول قوى معينة (المقصود بها أميركا) أن تجعلنا نقبلها، والتي يتم فيها تجاهل ثقافة العالم بأكمله، تبدو كنوع من الاستعمار الجديد” .

أخذ نمو هذا الحذر والريب وحتى الكره من السياسة الأميركية، أخذ بالنمو والتصاعد، وصولا الى ١١ أيلول سبتمبر من العالم ٢٠٠١، وكل ما رافقها من علامات استفهام، وتكهنات، وشكوك، لن ندخل في تفاصيلها الآن، والتي بدورها أدت الى الحرب على أفغانستان، التي أعادت الى أذهان الأميركيين قبل العالم بأكمله، مشاهد السقوط الأميركي في مستنقع الفييتنام، وتكلل هذا المسار الانحداري المريع، في اجتياح العراق عام ٢٠٠٣، وسقوط كل الأهداف الواهية التي على أساسها احتلت العراق، وفشل مشروعها العسكري كما السياسي، في بلاد ما بين الرافدين، فكانت أيضا السقطت الكبيرة التي هزت صورة أميركا في العالم، وضربت نظرت العالم اليها كقوة قادرة على تحقيق أهدافها واذا شاءت فعلت.

أضف الى ما تقدم، نقاط أساسية، كانت أيضا سبب في ضرب صورة أميركا، وانخفاض مستوى جاذبيتها لدى العالم، سنذكر بعضها وأهمها،

– سقوط القيم الليبرالية المثلى، التي قامت على تجميل صورتها أمام العالم، مبادىء مثل الديمقراطية وقبول الآخر واحترام التعددية والتنوع، تلك المبادىء التي ضُربت بالصميم، مع وصول ترامب اليميني المتطرف الى سدة الرئاسة الأولى، بعد أن بنى سياسته الداخلية وحملته الانتخابية، على رفض الآخر، وطرد الأجانب، ومحاربة الهجرة على أساس طبقي عرقي، واعادة احياء الخطاب العنصري، داخل المجتمع الأميركي.

– نمو ظاهرة الارهاب العالمي، وهو بدوره حبل يدور حول عنق السياسة الأميركية، بحيث يرى قسم كبير من الرأي العام العالمي أن أميركا مسؤولة مباشرة، عن خلق ونمو ودعم وتمويل وتدريب وتوجيه واستخدام هذه المجموعات الارهابية لتحقيق أهدافها حول العالم، وحتى لمن لا يرتقي الى هذا الحد من الاتهام الذي يستند الى العديد من الاثباتات الدامغة، بل يرى أن أميركا مسؤولة معنويات كونها تقيم نفسها شرطي على العالم، مما يدل من ازدياد ونمو ظاهر الارهاب العالمي، على أنها شرطي متواطىء، أو بأفضل الأحوال، شرطي ضعيف، فاشل وعاجز.

– ازدواجية المعايير، هي أيضا من الأسباب التي ضربت صورة وجاذبية أميركا من حول العالم، حيث تبرز واضحة، في سياستها الخارجية بحيث تقوم وبقوة، بدعم أنظمة استبدادية، مثل السعودية واوزباكستان، وأنظمة وكيانات مجرمة مثل “اسرائيل”، ومجموعات مسلحة ارهابية مثل داعش، وتنظيمات اتنية متطرفة مثل قوات سوريا الديقراطية الكردية، وتدعي بالمقابل، أن حروبها وتدخلاتها في العالم تأتي على خلفية نشر الديمقراطية، الأمر المضحك فعلا!

– نمو القوى الاقليمية، فشلت أميركا في اخضاع قوى الممانعة من حول العالم، في مقدمها ايران، وفشل الانقلاب في فينزويلا، وفشل المفاوضات مع كوريا الشمالية، وفشل اخضاع المكسيك عبر الجدار والترهيب والترغيب، وفشل الحرب الاقتصادية على الصين، فشل ايقاف التقدم السياسي ونمو الدور الاقليمي على الساحة العالمية لروسيا، الفشل في تصفية القضية الفلسطينية وفرض تسوية مذلة، تعثر التطبيع العربي لعدم قابلية الشعوب بالرغم من طواطؤ ورضوخ معظم الأنظمة العربية.

ونأتي الى الدليل على كل ما تقدم، في تراجع الجاذبية الأميركية، على قاعدة شهد شاهد من أهله، وليس الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة “غالوب” مؤخرا، في ١٣٤ دولة من حول العالم، لم يكن الوحيد أو الأخير، بل نموذج على تهاوي هذه الجاذبية، حيث أشار بوضوح الى أن ٣٠% فقط من المستطلعة أراؤهم، لهم موقف ايجابي تجاه الولايات المتحدة، مقابل ٧٠% ممن ينظرون نظرة سلبية لها ولدورها في العالم ولسياساتها الخارجية، مما يُسجل انخفاض بنحو ٢٠%، على ما كانت عليه في عهد أوباما،
كما يشير مركز “بيو” للأبحاث أن الصين بدعم من ٣٠% وصلت تقريبا الى التكافؤ مع الولايات المتحدة الأميركية،
كما وفي مؤشر “سوفت باور٣٠” تراجعت أميركا من المركز الأول عام ٢٠١٦ الى الثالث في ٢٠١٧ الى السادس في ٢٠١٩، من حيث ثقة العالم في خياراتها.

في المحصلة، عندما يعطي سماحة المرشد أهمية كبيرة لعنوان الجاذبية الأميركية، وخصوصا أمام طلاب الجامعات، أجيال المستقبل، فهو يحدد وجة الصراع المستقبلي، بحيث يوصي، أن للجاذبية والصورة أهمية كبير في مسار الصراع، وهو ينقل اهم اليقين، أن العدو قوي وقادر وفاعل، وأننا لا نتوهم في محور المقاومة هزالة وضعف أعدائنا، بل ندرس وندرك تماما نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم،

وسماحة المرشد يوصي، باستكمال العمل على ضرب هذا الصورة، لما لها من تأثير حاسم في مسار الصراع مع الاستكبار، بحيث لا حاجة لحشد الاساطيل والذهاب لمحاربتهم في عقر دارهم، بل يكفي التنبه والاستعداد، يكفي أن نمكن مناعتنا، ونحصن أثوارنا الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، لمنع الغرب من تحقيق أهدافه، ومن تحقيق مشاريعه التي يصبو اليها في بلادنا، عبر تسلله الى مجتمعاتنا، في كافة الأشكال، العسكرية منها والتكنولوجية، الثقافية والاجتماعية،

وأخيرا أراد سماحة المرشد أن يقول للأجيال القدمة، أن هدم هذه المنظومة، عمل مستمر تراكمي، وهي معركة النفس الطويل، ومن يبصر للمنتهى يرى النصر المبين في معركة الخير والشر، ويدعوا الأجيال المقبلة لمتابعة المسيرة بالتخطيط والتنظيم، والدراسة والارادة، بالعقول والأدمغة، وباستلهام دماء الشهداء، تُستكمل المسيرة، ويستكمل المسار التصاعدي لانجازات محور المقاومة، ويستمر المسار الانحداري لجبهة الغطرسة والاستكبار العالمي، وعندها يتحقق الوعد الالهي بالنصر المبين.

الياس المر
خبير العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى