ايران

الإمام الخامنئي «دام ظله»: الإمام الخميني «قدس سره» هو المؤمن المتعبّد الثوري

كلمة الإمام الخامنئي «دام ظله» في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني «قدس سره»

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین الهداة المهدیّین، لاسیّما بقیّة الله في الأرضین.

اجتماعٌ في غاية البهاء والعظمة، انعقد في هذا المكان تكريماً لذكرى إمامنا الخميني العظيم.

«مؤمنٌ متعبّد ثوريّ»

لنتناول الآن الحديث عن إمامنا الكبير. إنّ من العناوين والصفات التي قلما تُذكر للإمام العظيم الراحل، وقلما نصفه بها، أنا أعبّر عنها بعنوان جامع، وهو أنه «مؤمن متعبّد ثوري». فإننا دوماً ما نصف الإمام بصفات عديدة، إلا أنّ هذه الصفة التي قلّما وصفناه بها، تعدّ صفة جامعة شاملة: فهو مؤمنٌ وهومتعبّدٌ وهو ثوريّ.

مؤمنٌ: يعني مؤمن بالله، ومؤمن بالهدف، ومؤمن بالطريق المؤدي إلى هذا الهدف، ومؤمن بالناس. وقد ورد هذا التعبير في القرآن بشأن الرسول الأكرم أيضاً: ﴿یُؤمِنُ بِاللهِ وَیُؤمِنُ لِلمُؤمِنین﴾. الإيمان بالله وبالهدف وبالطريق وبالناس.

عبدٌ،متعبّدٌ: يعني أنه يعتبر نفسه عبداً أمام الله، وهذه بدورها صفة فائقة الأهمية. ولكم أن تلاحظوا بأن الله تعالى قد وصف نبيه في القرآن بصفات عدة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾، إلى غير ذلك من الصفات التي تكشف كل واحدة منها عن فصلٍ كبيرٍ من خصائص الرسول، لكن تلك الصفة التي أُمِرنا نحن المسلمين أن نُكرّرها بشأن النبي في صلواتنا كل يوم هي: «أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُه»، وهذه تدل على أهمية العبودية. فإن لهذه الصفة من العظمة والشأن الرفيع ما أدى إلى أن يأمر الله تعالى المسلمين بتكرارها كلّ يومٍ في صلواتهم لعدة مرات. كان الإمام يتحلى بهذه الصفة، وهي صفة العبودية؛  كان من أهل الخشوع والتضرّع والدعاء، وكان مؤمناً متعبّداً.

وأما الصفة الثالثة المتمثلة بالثورية، فهي تلك النقطة التي أودّ أن أشدّد عليها وأتحدث عنها بشكل مفصل. فقد كان الإمامُ إمامَ الثورة.

النزعة الثورية هي السبب

الثورة كلمة واحدة ولكنها تنطوي في مكنونها على حقائق لا تحصى، إمامُ الثورة هو الرائد في كل هذه الخصائص التي تتضمنها مفردة الثورة.إن سبب غضب القوى المادية المتواصل وغيظهم تجاه الإمام الجليل وهلعهم منه أيضاً،  يعود إلى هذه الصفة، وهي ثورية الإمام، وهم يعادون هذه الصفة.واليوم أيضاً أعداء الشعب الإيراني يخاصمون ويعادون توجّهاته الثورية. وأساساً فإن القوى المادية تخاف وتخشى وتفر من كلمة «الثورة الإسلامية».

والنزعة الثورية هي السبب الذي يقف وراء الضغوط التي يمارسونها. ولذا فإن لهم الحق في أن يهابوها ويخافوا منها. علماً بأنهم يفرضون الضغوط بذرائع شتى، فتارة بذريعة الطاقة النووية، وأخرى بذريعة حقوق الإنسان ونحو ذلك، ولكنّ حقيقة الأمر هي أن أعداء الشعب الإيراني وأعداء إيران الإسلامية لديهم خوف وقلق من النزعة الثورية.

ففي الآونة الأخيرة، وقبل بضعة أشهر، قال أحد الساسة الأمريكيين: لقد فُرضت العقوبات على إيران بسبب الثورة الإسلامية، وأساس الحظر يرتبط بالثورة التي انطلقت عام 1979! وهذه حقيقة.

ولكن ما هو السبب في ذلك؟ ولماذا يعارضون الثورة؟ السبب هو أن هذا البلد الواسع والمترامي الأطراف، والزاخر بالخيرات، والغني بالثروة الطبيعية والإنسانية، كان بأسره في  مخالب القبضة الأمريكية، فجاءت الثورة وأخرجتهم من البلد؛ معاداة الثورة لهذا السبب. فإنها من جانب طردتهم، ومن جانب آخر أصبحت مُلهمة للآخرين. حيث إن الثورة الإسلامية التي انطلقت في هذا البلد علی أيدي الناس، وواصلت مسيرتها، أضحت مُلهمة للشعوب الأخری، وهذا في محله بحث مفصّل له أدلة كثيرة.

تحوّلٌ كبير وتغييرُ مسار

لقد أخرج إمامنا الثوريُّ البلدَ من مستنقعات عدّة وأنقذه منها بواسطة الثورة. وعلی شبابنا الأعزاء الذين لم يشهدوا فترة ما قبل انتصار الثورة ولم يلمسوها، أن يدقّقوا ويتنبّهوا الى أن هذه هي القضية الرئيسية. فلو جهل شعبٌ قضيته الأساسية،فإنه سيضل الطريق. والقضية هي أن الثورة الإسلامية انطلقت وأنقذت البلد من مستنقعات عدة؛ مستنقع التبعية، ومستنقع التخلّف، ومستنقع الفساد السياسي، ومستنقع الفساد الأخلاقي، ومستنقع الحقارة الدولية. حيث كنّا نعاني من هذه الأمور، وكنا أتباعاً، معرَّضين للتحقير والإهانة، لقد فُرض علينا التراجع والتخلّف في العلم والاقتصاد والتكنولوجيا والحضور الدولي الفعال، وفي كل شيء.

بدلاً من ذلك كانت أمريكا وبريطانيا هي السيد الآمر والناهي لنا!. فقد كنّا يومذاك نصدّر البترول بأربعة أضعاف ما نصدّره في الوقت الراهن، وكان سكّان البلد أقل من نصف ما هم الآن عليه، ومع ذلك فقد كانت معظم نقاط البلد محرومة من الخدمات الحكومية العامة التي تقع علی عاتق الحكومات، وكان البلد رازحاً تحت وطأة الفقر والتخلف والفساد الأخلاقي، وكان في كل بناه التحتية -بما فيها الطرق، والمياه، والكهرباء، والغاز، والمدارس، والجامعات، والخدمات المدنية- يعاني من الآفات والتخلف والتأخّروالفقر والحرمان، وكانت خيراته الطبيعية بين يدي الأجانب، وكان الجهاز الحاكم هو الذي يتمتع بها، ويكمّ أفواه الناس عبر الإغراء أو القوة والإرعاب، غير أن الناس كانت قلوبهم قد مُلئت غضباً، وكانوا يدركون الحقائق، وبالتاليأدت تلبيتهم لذلك النداء الرباني الإلهي للإمام الخميني العظيم إلی انطلاقة الثورة.

فقد بدّل إمامنا الجليل المسيرة، وقام بإيجاد تحوّل كبير، وغيّر مسار الشعب الإيراني، وبدّل سكّة القطار، وسار بنا نحو الأهداف الكبری.وهذه الأهداف التي وجّهتنا الثورة وإمام الثورة إليها،وقاما بهداية المجتمع الإيراني نحوها، تمتاز بأهمية بالغة. وهي أهدافٌ تتلخّص في حاكمية دين الله،التي تعني العدالة الاجتماعية بمعناها الحقيقي، وتعني اجتثاث الفقر، وتعني استئصال الجهل، وتعني اقتلاع جذور الاستضعاف، وتعني إحلال منظومة من القِيَم الإسلامية، وتعني القضاء علی الآفات الاجتماعية، وتعني تأمين السلامة البدنية والسلامة الأخلاقية والمعنوية والتقدم العلمي في البلد، وتعني تحقيق العزة والهوية الوطنية الإيرانية والاقتدار الدولي، وتعني تعبئة الطاقات والإمكانيات التي أودعها الله في هذه الأرض. هذه كلها تندرج تحت حاكمية دين الله، والإمام قد هدانا للسير في هذا الاتجاه، وهو بالضبط علی النقيض من ذلك الطريق الذي كانوا يسوقوننا إليه في عهد نظام الطاغوت.

 العمل بثورية تقدم قطعي

وبعد رحيل الإمام، كنا كلما عَمِلنا بثوريةٍ تقدّمنا للأمام، وكلما غفلنا عن النزعة الثورية والحركة الجهادية تراجعنا وفشلنا وتخلفنا، وهذه حقيقة. لقد كنتُ أنا مسؤولاً خلال هذه السنوات؛ وإن كان هناك تقصير في الأمر، فهو موجَّه لهذا الحقير أيضاً. ومن هنا،فحيثما كنا ثوريين، وتحركنا حركة جهادية، وسرنا علی هذه السكة، تقدّمنا، وأينما قصّرنا وغفلنا، تراجعنا للوراء. فيمكننا الوصول بشرط أن نتحرك بثورية ونتقدم إلی الأمام بثورية.

المخاطَب في هذا الكلام، هو جيل اليوم وجيل غدٍ وأجيال المستقبل، والمخاطَب كلنا؛ أي المسؤولون، والناشطون في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، والشباب، والجامعيون، وطلبة العلوم الدينية، والحِرَفِيّون، والقرويّون، والمدنيّون، والكل مخاطَبٌ في هذا الكلام، وعلی الجمیع أن يعلموا أنّ بالإمكان انتهاج هذا النهج بطريقة ثورية، وعندذاك سيكون التقدم أمراً قطعياً، وبالإمكان اتّباع أسلوب آخر، وحينها سيكون المصير فجيعاً مؤلماً. وللإمام تعبير شائع، طالما كرره في مواطن عدة حيث يقول: «سوف يتلقى الإسلام صفعة»!. إن غيّرنا المسار، سيتلقى الشعب الإيراني صفعة، وسيتلقى الإسلام صفعة كذلك. الحديث ذو شجون؛ الكلام في هذا المجال كثير وضروري.

منافعها تفوق تكاليفها الباهظة

الرجاء الانتباه، فأناأود أن أغتنم هذه الفرصة، وأن أقول لكم وللشعب الإيراني، يا أعزائي! إن الثورة تمثل رصيداً ممتازاً وفريداً لشعبنا وبلدنا. وقد دفعنا أثماناً باهظة لاكتسابها، بيد أن منافعها تفوق تلك الأثمان مئات الأضعاف. أجل، فلقد كانت ثمانية أعوام من الحرب ثمناً، والاضطرابات ثمناً، والعقوبات ثمناً، وهذه كلها من أثمان الثورة وتكاليفها، إلا أن الأرباح المكتسبة في هذا الطريق تفوق التكاليف أضعافاً مضاعفة، ولقد كانت التكاليف والمنافع والأرباح مترافقة مع بعضها البعض منذ البداية، فدفعنا الكلفة من جانب، وربحنا من جانب آخر. فقد تجذّرت الثورة، وترسّخت شجرة النظام الإسلامي، وتبيّنت الكثير من الحقائق، وأتيحت السُبُل، واتضحت اليوم الأوضاع لشعب إيران، وتهيأت الأرضية وتعبّدت الطرق أكثر مما مضی، فالكلفة موجودة وستستمر، ولكنها قلّت وتيسّر دفعها وتجنّبها أكثر من الماضي.

ثورةٌ شعبيّة ثابتة!

هناك نقطة هامة: إن هذه الثورة لم تتحقق بالانقلاب ولا بالحركة العسكرية، كما هي حال بعض الثورات التي قام فيها عددٌ من الضباط العسكريين بإسقاط حكومة وإحلال حكومة أخری محلّها.. كلا، وإنما تحققت الثورة بواسطة الناس، وعزائمهم، وطاقاتهم الثورية، وإيمانهم، وبنفس هذه القوی دافعت عن نفسها وبقيت وتجذّرت. فإن أبناء شعب إيران الأعزاء، هم الذين لم يخافوا ولم يرتعبوا، وهم الذين صمدوا وثبتوا وأصبحوا مصداقاً لهذه الآية الشريفة: ﴿اَلَّذینَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعُوا لَكم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إِیمانًا وَقالُوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكیل﴾.

الاهتمام بمآثر الإمام

وفي الختام أودّ أن أوصي ببعض الوصايا. إنّ الإمام الخميني يعتبر في خارطة الطريق التي ذكرناها، قدوة وأسوة كاملة حقاً.وهو يقف علی القمة في جميع هذه المؤشرات. فلقد عاشرنا الإمام لسنوات طويلة وبأشكال مختلفة، سواءٌ حين كان يمارس التدريس في قم، أو حين تم نفيه إلی النجف، أو حين تسلّم مقاليد الحكم وصار علی قمة الشهرة السياسية الدولية، وشاهدنا الإمام في جميع هذه الحالات، والحق يقال إنه كان يتسم بأعلی الدرجات في جميع هذه المؤشرات التي ذكرناها. فأولوا اهتمامكم بأقوال الإمام وأفعاله، وقوموا أيها الشباب الأعزاء بمطالعة صحيفة الإمام ووصيته والأنس بها والتعمّق فيها

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى