|غنوة السمرة_مرايا الدولية
لماذا شبه جريرة القرم؟
على مدى التاريخ كانت القرم تعتبر ملتقى للمصالح الاستراتيجية لدول عدة، في مقدمتها روسيا وتركيا، والدول الأوروبية الكبرى.
وتكتسب أهميتها الاستراتيجية من تموضعها في البحر الأسود على مقربة من مضيقي البسفور والدردنيل الذين يربطانه بالبحر الأبيض المتوسط من جهة، والقوقاز – بما في ذلك شمال القوقاز الروسي – من جهة أخرى.
بعد انتصار الإمبراطورة كاثرينا الثانية على الدولة العثمانية دخلت إمارة القرم تحت السيادة الروسية عام 1783 وأصبحت محط لمعارك شرسة في كل من الحرب الشرقية (1853-1856)، التي خاضتها روسيا ضد تحالف بمشاركة كل من تركيا وبريطانيا وفرنسا ومملكة سردينيا، والحرب العالمية الثانية (1941-1945).
عند تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 تم تقاسم أسطوله في البحر الأسود بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ومن جانب آخر طرحت
القوى المناهضة لروسيا في أوكرانيا مراراً مسألة إنهاء بقاء الأسطول الروسي في شبه الجزيرة.
وأصبحت تلك المسألة موضوعاً حساساً في العلاقات بين موسكو وكييف، حتى تم توقيع اتفاقية بين رئيسي البلدين في مدينة خاركوف الأوكرانية عام 2010 مددت مدة مرابطة الأسطول الروسي حتى عام 2042، مقابل دفع روسيا مبلغا مقداره 100 مليون دولار سنويا كأجرة لقواعدها البحرية في سيفاستوبول.
وفي عام 2014 جرى انقلاب في أوكرانيا أوصل للحكم في كييف قوى لا تخفي عداءها لروسيا ليهدد من جديد بقاء الأسطول الروسي في شبه الجزيرة، الأمر الذي أثار قلقاً مشروعاً في موسكو وكان من أبرز دوافع دعمها لحراك شعب القرم ضد الانقلاب
منعطف خطير
دخلت العلاقات الروسية الأوكرانية منعطفا خطيرا وحادا جدا بعد عودة شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي إثر تصويت أجري في شبه الجزيرة بعد الانقلاب الأوكراني عام 2014 حيث صوت السكان بنسبة 96.77 بالمائة في استفتاء لصالح الانضمام إلى روسيا، وهو الاستفتاء الذي اعتبرته الدول الغربية ومعها أوكرانيا بطبيعة الحال «غير شرعي»، لكن موسكو لم تأبه لهذا الرفض وأكدت حق سكان شبه الجزيرة في تقرير مصيرهم،
وتعبيره عن إرادته الانضمام إلى روسيا، إلى جانب دافع حماية الروس من هجمات القوميين المتشددين.
ولم يحظ ضم شبه جزيرة القرم ولا تأسيس دول في دونيتسك ولوغانسك كما هو متوقع باعتراف المجتمع الدولي، وتولى حينها بترو بوروشنكو رئاسة البلاد من خلال انتخابات رئاسية مبكرة أجريت عام 2014
وبدأ نزاع خلّف الصراع نحو 14 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى، وأكثر من مليوني لاجئ ونازح.
أصبح حوض نهر الدونيتس إحدى أكثر المناطق المزروعة بالألغام في العالم بعد أفغانستان والعراق.
وقف لاطلاق النار
بوساطة ألمانية وفرنسية تم التوصل إلى اتفاق مينسك عام 2015 الذي يهدف لحل النزاع، والذي بموجبه لا يمكن لأوكرانيا استعادة السيطرة على حدودها مع روسيا في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون إلا بعد أن يمنحوا حكماً ذاتياً واسعاً وانتخابات محلية.
في كانون الأول/ ديسمبر 2019 التقى قادة أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا في باريس لعقد جولة أخرى من المحادثات، وأعربوا عن دعمهم لاتفاق مينسك واتفقوا على إحياء عملية السلام.
تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار جديد في 22 تموز/ يوليو 2020 من قبل أعضاء مجموعة الاتصال الثلاثية التي تضم ممثلين عن روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، وسط ترحيب أوروبي.
اتهامات واصطياد في الماء العكر
شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيد بين الجانبين، حيث أعلنت روسيا أن قواتها المسلّحة ستجري تدريبات عسكرية قرب الحدود مع أوكرانيا في جنوب البلاد للتدرّب على الدفاع في وجه الطائرات الهجومية المسيّرة.
وستشارك أكثر من 50 كتيبة مقاتلة تضم 15 ألف عنصر في هذه التدريبات وستتدرّب على “التفاعل مع الحرب الإلكترونية ووحدات الدفاع الجوي”، وفق ما أفادت القيادة العسكرية الجنوبية.
واتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بحشد قواتها عند الحدود، مما دفع الولايات المتحدة الأميركية للاصطياد في الماء العكر واتهام روسيا بتكثيف تواجدها العسكري عند الحدود وتعهدت بالوقوف إلى جانب كييف في حال قيام روسيا بأي “اعتداء”.
من جانبه نفى الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في مؤتمر صحافي تمثيل بلاده أي تهديد لجارتها أوكرانيا وحذر الغرب من أية محاولة لإرسال جنود للمنطقة.
وإذا تساءلت عن الحقيقة.. فإن المُطلع على تاريخ شبه جزيرة القرم يدرك تماماً أنها لم تكن يوما أرضاً أوكرانية على الإطلاق، إذ إن الإمبراطورية الروسية سيطرت عليها عام 1783 كما ذكرنا آنفاً، وظلت جزءا من روسيا إلى عام 1954 عندما قام الزعيم السوفيتي الراحل نيكيتا خروشوف بإهدائها إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية آنذاك «من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين»، لكن سكان شبه الجزيرة، وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بقوا يحنون للعودة إلى وطنهم الأم، ثم جاء الانقلاب الأوكراني وسيطرة اليمين المتطرف في كييف على السلطة وعجلّت انضمام شبه الجزيرة إلى روسيا.
#مرايا_الدولية