في ظل التقدم البطيئ في ملف المصالحة الفلسطينية، الذي تمكنت مصر من إنجازه منتصف شهر تشرين أول / اكتوبر 2017 الماضي.
بعد مُضي أحَدَ عشر عاماً على الإنقسام الفلسطيني الأسود، وكذلك في ظل استمرار آثار الإنقسام الفلسطيني ووجود الكثير من المعوِّقات التي تحاول عرقلة تقدم وتحقيق المصالحة وتنفيذ كافة بنودها التي تم الإتفاق عليها في القاهرة، بالإضافة إلى حالة الوهن والضعف والتفكك والإنقسام العربي والإسلامي، والصراعات والفتن والمصائب المؤلمة والحروب والصراعات الطائفية والمذهبية والمؤامرات التي تشهدها المنطقة، وكذلك نزيف الدماء العربية والإسلامية في أكثر من دولةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، ومؤامرات وجرائم التنظيمات الإرهابية التكفيرية الوحشية التي تستهدف مصر الشقيقة الكبرى وسوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال والباكستان وأفغانستان وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وسعي هذه التنظيمات الإرهابية الملعونة إلى إستنزاف وإشغال دول المركز في العالم العربي، وخصوصاً مصر الشقيقة الكبرى، الداعم والمؤازر والحاضن الأكبر لفلسطين وقضيتها العادلة، لم يكن مُفاجئاً القرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الأربعاء الماضي 6/12/2017 بالإعتراف بمدينة القدس المحتلة بشطريها الغربي الذي تم احتلاله عام 1948، والشرقي الذي تم احتلاله عام 1067، عاصمةً أبديةً للكيان الصهيوني الغاصب لكل أرض فلسطين التاريخية، ونقل السفارة الأميركية من مدينة تل الربيع ( تل أبيب ) المحتلة عام 1948، إلى مدينة القدس المحتلة، ويأتي هذا القرار الأميركي العدواني الأرعن المتهور لترامب قبل نهاية العام الأول لتوليه رئاسة الولايات المتحدة، تنفيذاً لـ ( وعدٍ تلموذي ) صريحٍ أطلقه في حملته الإنتخابية واعداً به اللوبي اليهودي الصهيوني والمسيحيين الإنجليكان في الولايات المتحدة والقيادة اليمينية المتطرفة للكيان الصهيوني، وهو بذلك يكون قد أطلَقَ رصاصة الرحمة على عملية السلام والمفاوضات الفلسطينية ــــــ الصهيونية المُتعَّثِّرَة، وحَسَمَ حاضر ومستقبل مدينة القدس المحتلة لصالح العدو الصهيوني، وأخرجها من دائرة التفاوض، ووأد إتفاقية أوسلوا، وقضى نهائياً على حل الدولتين، وكَشَفَ بُمنتهى القُبح حجم الإنحياز والدعم الأميركي لصالح الكيان الصهيوني، وكذلك مستوى وحجم تأثير اللوبي اليهودي على الإدارة الأميركية، وعلى وسائل الإعلام الأميركية ومختلف المؤسسات الأخرى.
عدوان أميركي على الفلسطينيين والشرعية الدولية :
يشبه القرار والوعد العنصري الأميركي، في دلالاته ومضمونه وتأثيراته الحالية والمستقبلية، وعد بلفور المشؤوم، وبإعلانه فإنَّ الإدارة الأميركية تعلن الحرب على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه التاريخية والثابتة التي أقرتها الشرعية الدولية، وضد الإسلام والعرب والمسلمين، وتنسف كافة مقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي والهيئة العامة للأمم المتحدة، التي أقرت أنّ: (مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي هي مدينة محتلة)، وتصطدم بالقانون الدولي وكافة المواثيق والأنظمة والأُسس والمعاهدات الدولية، بل وتعلن صراحةً بهذا القرار الأُحادي العنصري الإستعلائي الإستكباري العدواني، عن موت منظمة الأمم المتحدة ومعها النظام الدولي ومؤسساته المختلفة، وأنَّ الولايات المتحدة الأميركية هي وحدها المتفردة بقيادة العالم، وقراراتها هي المرجعية الدستورية له !!! …
وبالطبع فلن يقبل أحد في العالم سوى الكيان الصهيوني المجرم وحلفائه، بهذا الاعتداء الأميركي على المواثيق والأنظمة والاتفاقيات والمنظمات الدولية، وبالفعل فقد عبَّرَّ غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي في الجلسة الطارئة التي عقدها يوم الجمعة 9/12/2017، عن غضبهم العارم ورفضهم الصريح والواضح للقرار الأميركي، وأكدوا على أنّ مدينة القدس هي مدينة محتلة يجب المحافظة على وضعها مثلما هو، دون أي تغيير لهويتها التاريخية وتركيبتها الديموغرافية، وعدم المساس بخصوصية ووضعية الأماكن المقدسة بداخلها، ووقف كافة عمليات الإستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي والممتلكات فيها، إلى حين التوصل إلى اتفاق فلسطيني/صهيوني، وعربي/صهيوني، لإنهاء الصراع العربي/الصهيوني، وحسم موضوعها من خلال المفاوضات والاتفاق النهائي الفسطيني ـــ العربي/الصهيوني، وعبَّرَت أيضاً جميع الدول العربية والإسلامية وغالبية الدول الأوروبية والغربية ودول العالم، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الأفريقي، والأزهر الشريف، واتحاد دول الخليج، وغيرها من المنظمات والمؤسسات والأُطُر والأحزاب الدولية والإقليمية والعربية عن رفضها الشديد للقرار الأميركي المتهور، وطالبوا الرئيس الأميركي بالتراجع عن قراره، وأكدوا جميعاً أنَّ هذا القرار سوف يشعل الأوضاع في المدينة المقدسة وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعالمين العربي والإسلامي، وسيهدد الاستقرار في المنطقة والعالم، وهو بالفعل ماحدث تماماً، حيث انفجر الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي والإقليمي والعالمي جماهيرياً ورسمياً…
المرجعية القانونية والدستورية لوضع القدس :
من المعروف أنّ المرجع القانوني الدولي لوضع القدس المحتلة، هو قرار التقسيم ( 181)، الذي أصدرته الهيئة العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947، رغم إنحيازه الكبير لصالح العدو الصهيوني، حيث منح الصهاينة قرابة 57% من أرض فلسطين التاريخية لإقامة كيانهم الإستعماري، ومنح الفلسطينيين أصحاب الحق والأرض التاريخيين نحو43% من أرض فلسطين التاريخية، ومن أجل التمهيد لإقامة الكيان الإستعماري الصهيوني، ونص القرار على: (إنهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيمها لدولتين عربية ويهودية، وتحويل القدس بضواحيها ومدينة بيت لحم والأراضي المجاورة لهما إلى وحدة إقليمية ووضعها تحت الوصاية الدولية الخاصة)، بالإضافة إلى العديد من القرارات الأخرى الدولية الأخرى الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي منذ العام 1947، حتى العام الحالي 2017، والتي أقرت جميعها بإعتبار القدس مدينة محتلة، وأنَّ لها وضعية دولية خاصة، ومصيرها يتم تحديده من خلال المفاوضات بين العرب والفلسطينيين من جانب، والصهاينة من جانبٍ آخر، وبالتالي فإنَّ قرار ترامب نسف كافة قرارات ومواثيق وأنظمة وأسس وعمل ومنظمات الشرعية الدولية، وخصوصاً قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وكذلك نَسَفَ الوضع والأساس القانوني الدولي والدستوري الدولي للمدينة المقدسة، وهذه أول سابقة على مستوى العالم، إذ لايحق لرئيس الولايات المتحدة، أو غيره من رؤساء الدول، تجاوز القانون الدولي، والقانون الدستوري الدولي، والقانون الدولي العام، وأيضاً القانون الإنساني الدولي، ويتدخل بهذا المستوى من العنصرية والإستعلاء والوقاحة والإستبداد والعنجهية ليُعلن مُنفرداً إلغاء الأساس القانوني والدستوري والإنساني الدولي الذي حافظت بموجبه الأمم المتحدة على وضع القدس لأكثر من ثمانين عاماً، ويتجاوز الحق التاريخي والواقعي والجغرافي والديموغرافي للفلسطينيين في القدس المحتلة، ليعلن بهذا الشكل العنصري السافر الوقح والقبيح أنَّ القدس عاصمة أبديةً للكيان الصهيوني، بل ويرِوِّج للراوية والأساطير الصهيونية المكذوبة التي تزعم أنها كانت عاصمة لمملكة اليهود منذ ثلاثة آلاف عام، وهو بذلك وبضربةٍ واحدةٍ حَسَمَ متطوعاً وضع القدس في الماضي والحاضر والمستقبل لصالح الكيان الصهيوني، ولصالح الرواية الصهيونية المكذوبة، وهذه سابقة سياسية، غير قانونية وغير دستورية، لم يحدث لها مثيلاً في العالم من قبل، ولا في الولايات المتحدة الأميريكية نفسها، حيث أعلن الرئيس الأميركي عن مدينة محتلة عاصمة لدولة إحتلال عنصري تغتصب الأرض والشجر والحجر، وتحاول اغتصاب ومصادرة التاريخ والحاضر والمستقبل، وتسعى لتزوير حقائق الحضارة والواقع الجفرافي والديموغرافي والقانون الدولي، وإن تمكن ترامب وإدارته المتصهينة، والكيان الصهيوني، من تمرير هذه السابقة الخطيرة، فستصبح سابقة قانونية يسعى من خلالها إلى نسف ماتبقى من قرارات للشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية، وبالتالي الإعلان عن الموت الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة، لتحلق بسابقتها عصبة الأمم، ولتصبح قرارات الرئيس الأميركي ؛ أي رئيس أميركي هي معيار الشرعية الدولية والقانون الدولي، والدستوري الدولي، والإنساني الدولي ..!!!
قرار ترامب يُشعِل إنتفاضة القدس/الإنتفاضة الثالثة:
بمجرد صدور هذا القرار الأميركي المُتَوَقع، يوم السادس من كانون أول / ديسمبر 2017، بالتزامن مع إحياء الفلسطينيين للذكرى الثلاثين لإنتفاضة الحجارة / الإنتفاصة الأولى، والذي عملت الإدارة الأميركية الحالية المُنحازة كلياً إلى جانب الكيان الصهيوني والداعمة لعدوانه المتواصل ضد شعبنا وحقوقنا وقضيتنا العادلة، انفجر بركان الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي، وخرجت الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية تُعبِّر بمنتهى الوضوح والقوة عن رفضها العارم لهذا القرار العدواني الإستعماري، الذي يُعطي مَنْ لايملك إلى مَنْ لايستحق، ويُكافئ القاتل والغاصب والظالم والمُستعمِر والمُعتدي والمجرم، ويقف ضد المظلومين وأصحاب الأرض والمقدسات والحق الحضاري والتاريخي والجغرافي والديموغرافي والقانوني، ورغمَ أنَّ المصالحة الفلسطينية تسير بخطى بطيئة جداً ومازال الفلسطينييون يعانون من إستمرار آثار الإنقسام البغيض، إلا أنَّ القرار الأميركي العدواني الأرعن الأهوج دفع الفلسطينيين جميعاً للتوحد صفاً واحداً خلف قيادتهم التاريخية من أجل مواجهة هذا العدوان الأميركي / الصهيوني / التلموذي، السافر على المدينة المقدسة وقضيتهم العادلة وحقوقهم الحضارية التاريخية وثوابتهم ومقدساتهم الإسلامية والمسيحية، ومنذ مساء الأربعاء الماضي أشعَلَ الفلسطينييون الغاضبون انتفاضتهم الفلسطينية الثالثة / إنتفاضة القدس والأقصى والحق، إنتفاضة الكرامة والحرية، إنتفاضة الغضب والوحدة، ومازالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور، بتظاهرات ومسيرات ومواجهات غاضبة مع جيش العدو الصهيوني في المسجد الأقصى المبارك القدس المحتلة وكافة مدن الضفة الغربية المحتلة، وكذلك في قطاع غزة المحاصر، وزحف الفلسطينييون الغاضبون في قطاع غزة، نحو خطوط التماس مع جيش العدو على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع، ورشقوا جنود العدو بالحجارة وزجاجات المولوتوف وأحرقوا الأعلام الصهيونية والأميركية وصور الرئيس الأميركي وصور رئيس حكومة كيان العدو، ورددوا الهتافات والشعارات الغاضبة ضد ترامب ونتنياهو والإحتلال الصهيوني والعدوان الأميركي / الصهيوني، وكان يوم الجمعة 8/12/2017، يوماً فريداً للغضب والغليان الفلسطيني، ولم تَخلُّ مدينة أومخيم أو قرية أو بلدة فلسطينية من التظاهرات والمسيرات والمواجهات الغاضبة مع جيش العدو الصهيوني، ورد جيش العدو ــــــ كعادته ـــــ بمنتهى الوحشية والبربرية على الجماهير الفلسطينية ومسيراتها السلمية، وقصف طيرانه الحربي مساء وليل الجمعة وفجر السبت العديد من الأماكن في قطاع غزة، مما أدى إلى إرتقاء أربعة شهداء في قطاع غزة، وسقط في القدس والضفة والقطاع أكثر من 1114 جريحاً، جراح العشرات منهم خطيرة، وبعضهم مازال يمكث في الرعاية المُكثَّفة في المستشفيات، وغالبيتهم مازال يتلقى العلاج في المستشفيات، ويأتي هذا العدوان البربري الصهيوني ضد الأبرياء والمدنيين من أبناء شعبنا والمسيرات السلمية، إستكمالاً للعدوان الأميركي ضد شعبنا المظلوم، ويتحمل الرئيس الأميركي وإدارته المُتصهينة المسؤولية الكاملة عن أرواح ودماء الأبرياء من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، والذين من المتوقع أن ترتفع أعدادهم، ويتوجب عليه أن يتراجع عن هذا القرار الأحمق، قبل أن تشهد الأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية والإسلامية المزيد من التصعيد، والمزيد من نزيف الدماء البريئة، حيث أن غالبية الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها مصر الشقيقة الكبرى شهدت العديد من التظاهرات وأشكال الإحتجاج والمسيرات الغاضبة من القرار الأميركي ضد القدس الشريف، وعلى الجميع أن يعي، أنّه لايمكن للفلسطينيين أن يهدأوا أو يصمتوا أو يتوقفوا عن موجات الغضب وعن الإستمرار في انتفاضتهم الثالثة، مالم يتراجع الرئيس الأميركي عن قراره، فالفلسطينييون ليس لديهم مايخسرونه إلا أراواحهم ودماءهم التي يقدمونها غالية نفيسةّ من أجل فلسطين والقدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، ونيابة عن جميع المسلمين والعرب في مواجهة العدوان السافر الصهيو/ أميريكي.
القرار الأميركي تكريس للرواية والأساطير الصهيونية:
لم يكن من الغريب أن يتضمن القرار الأميركي الأرعن تصديقاً وتكريساً للرواية والأساطير والأكاذيب والمزاعم الصهيونية المؤسِسَة لنشأة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين الطاهرة، حيث أنَّ الولايات المتحدة هي الشريك الرئيس والأول للعدوان والإجرام الصهيوني المستمر ضد شعبنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي التي ورثت بريطانيا ومستعمراتها وهمينتها وتأثيرها في الشرق الأوسط ومختلف مناطق العالم، ومنذ ذلك الحين فالولايات المتحدة هي الداعم الأكبر للعصابات والجرائم اليهودية الصهيونية، وهي التي رّعت واحتضنت ولادة ونشأة الكيان الصهيوني فوق الغالبية العظمى من أرض فلسطين التاريخية عام 1948، ثم رعته وحمته ووفرت له الأسلحة والعتاد والدعم اللوجيستي والمادي والسياسي والمعنوي والإقتصادي، وهي التي وفرت ومازالت توفر له كافة سُبل الحياة والتطور والهيمنة والتقدم والعدوان والإستبداد والإجرام والتوحش، حتى تمكن من إحتلال بقية الأراضي الفلسطينية وشبه جزيرة سيناءالمصرية والجولان السوري عام 1967، ومنذ ذلك الحين مازال الدعم الأميركي مستمراً للكيان الصهيوني العدواني الغنصري، ليبقى هو القوة العسكرية والإقتصادية والأمنية المُهيمنة والمُتقدمة في المنطقة، ولهذا فإنَّ كل قطرة دماء فلسطينية أو عربية وإسلامية سالت بسبب الإعتداءات الصهيونية ضد شعبنا وأمتنا الإسلامية والعربية، تسبَّبَ بها السلاح الأميركي المتفوق الذي تمنحه مجاناً الولايات المتحدة الأميركية للعدو الصهيوني، وليس غريباً أن يسعى الرئيس الأميركي بنفسه لترويج الرواية التاريخية والأسطورة الصهيونية المكذوبة حول القدس وفلسطين، ورداً على ترامب وأكاذيبه الصهيونية، نؤكد على كذب ماتَضَّمَّنَهُ من مزاعم وافتراءات في قراره الآثم الملعون حول القدس الشريف، فلم تكن القدس في أي يومٍ من الأيام عاصمة لمملكة يهودية، لم تقم أصلاً في التاريخ، ونؤكد على أنه لم يكن هناك منذ أن خُلِقَت البشرية وبُعِثَ الأنبياء أي وجود لليهود على أرض فلسطين التاريخية ــــــ رغم أنَّ بعض المفسرين والمؤرخين السابقين وقعوا بشكلٍ أو بآخر ضحايا الإسرائيليات ــــ، وقد حرّم الله تعالى أرض فلسطين (الأرض المباركة) على بني إسرائيل والنبي موسى (عليه السلام) واليهود، وكذلك حرَّمَها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن بعده الخلفاء الراشدين (رضي الله عليهم)، فلم تطأ أقدام اليهود أرض فلسطين الطاهرة، إلا خلال الحملة الفرنسية الإستعمارية ( 1798) حيث أحضَرَ نابليون بونابرت معه بعض الخبراء والمستشارين اليهود من أجل إقناعهم أن يدعموه لإستعمار الشرق، مقابل مساعدته لهم بإقامة وطن قومي يهودي صهيوني في فلسطين العزيزة، وعادوا معه إلى فرنسا عقب هزيمته النكراء في غزة وعسقلان وعكا والجليل والإسكندرية، ثم بدأ اليهود الصهاينة بالتسلل إلى فلسطين منذ مطلع القرن التاسع عشر في ظل مؤامرة غربية / إستعمارية، خططت لإحتلال فلسطين ومنطقتنا العربية والإسلامية، وجعلت من فلسطين العزيزة رأس رمحٍ لمشروعها الإستعماري، لإقامة دولة الكيان الصهيوني، حتى تبقى غدة سرطانية في قلب الأمة فلسطين، وتفصل مابين شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، ولم تكن هناك في التاريخ أية مملكة للنبي داوود ( عليه السلام )، في فلسطين، ولم تكن مملكة النبي سليمان (عليه السلام) في فلسطين، ولم يَبنِ (عليه السلام) شيئاً اسمه (هيكل سليمان) لا في فلسطين، ولا حيث كانت مملكته في اليمن بجانب مملكة سبأ، ولم يكن على الإطلاق هناك شيء في التاريخ اسمه (هيكل سليمان)، عدا عن أن يكون هناك هيكلاً أول وثانٍ، أوخراب للهيكل المزعوم، ولاعلاقة لسليمان (عليه السلام) بالمسجد الأقصى المبارك، ولا إعادة بناءه وإعماره، ولاببناء سور القدس وسور البلدة القديمة، ولاغير ذلك من الآثار الهامة والمقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس المحتلة، والذي شيَّد سور القدس الشريف، هو الخليفة والسلطان العثماني الفَذ سليمان القانوني ( رضي الله عنه ) ــــ وبإذن الله تعالى سيكون مقال وبحث بهذا الخصوص ـــ، ومن هنا فإنَّ العدوان الأميركي ضد الإسلام والمسلمين وحضارتنا وتاريخنا وأمتنا وشعبنا، لم يكن فقط بإصدار القرار الجائر، إنَّما أيضاً بترويح الرواية والأساطير والإفتراءات والمزاعم والأكاذيب الصهيونية التوراتية التلموذية بحق القدس ومقدساتها، ممايؤسس لتهويد القدس بكاملها، وكذلك تهويد المسجدالأقصى المبارك وكنيسة القيامة وجميع المقدسات والآثار والمقابر والمعالم الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف وجميع فلسطين التاريخية.
تأثير القرار على المصالحة الفلسطينية :
سيكون لهذا القرار الأميركي العدواني ـــــ من حيث لايريد العدو الصهيوني وترامب، أكبر الأثر الإيجابي على مستقبل المصالحة الفلسطينية، فلقد تنامت القناعة الفلسطينية لدى جميع القيادات والفصائل والجماهير الفلسطينية، أنَّ سنوات الإنقسام الفلسطيني البغيض أضعفت مكانة وحضور وأولوية ومركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والإسلامي والضمير الإنساني الدولي، وأنَّ حجم التحديات الخطيرة التي أنتجها قرار الرئيس الأميركي ترامب بحق القدس، تستدعي توحيد الصفوف الفلسطينية، والإلتفاف حول الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتوفير كل سبل وامكانات الدعم له، ليتمكن مع القيادة الفلسطينية من تشكيل قوة ضغط عربية وإسلامية وإقليمية ودولية، تُرغِم الرئيس الأميركي على التراجع عن قراره الظالم، وكذلك ضرورة التوحُد لمواجهة الضغوط الأميركية والصهيونية التي سيتعرض لها الرئيس أبومازن مع القيادة الفلسطينية، بالإضافة إلى ضرورة التلاحم من أجل التصدي للإعتداءات الصهيونية التي بدأت تتصاعد ضد جماهير شعبنا الغاضبة، وضد الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة التي ستتدحرج سريعا ًوقوياً، ولايعلم أحد إلى أين يمكن أن تصل إرتداداتها وتأثيراتها وإنعكاساتها، وليس أمام الفلسطينيين سوى الوحدة، وتنفيذ جميع بنود المصالحة، وإنَّ الرد الأكبر على العدوان الصهيو أميركي، لابدَّ وأن يكون بإنجاز وإنجاح الجهود المصرية لتنفيذ كافة بنود المصالحة فوراً، فالوحدة هي التي ستُجنِّب الشعب الفلسطيني المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها قضيتهم الوطنية، وخصوصاً صفقة القرن، أو خيبة ولعنة القرن، التي كانت أولى بشائرها القرار العنصري الجائر للرئيس ترامب بحق القدس وفلسطين، وبالتأكيد ستكون خاتمتها ـــــ إن تمكنَّ، ولن يتمكن بمشيئة الله تعالى وصمود شعبنا ومقاومته ورباطه ـــــ تصفية القضية الفلسطينية وطرد وتهجير الفلسطينيين من جديد، وإنهاء أي وجود للفلسطينيين فوق أرضهم التاريخية، وبتقديري أنّ الكل الفلسطيني حريص على إتمام المصالحة وإنجاحها، وبالتأكيد لن يغفر شعبنا والتاريخ لمن سيضع المعوِّقات أمامها.
الخلاصة :
بتنا نحن كفلسطينيين وعرب ومسلمين أمام مفترق طرق خطير وصعب، والتحدي الأكبر أمامنا، هو أن نتمكن من إحباط المؤامرة الصهيونية الأميركية الكبرى التي لاتستهدف فقط القدس وفلسطين والفلسطينيين، إنما تستهدف الأمة ـــ كل الأمة، فالأمة يتحدد مصيرها وبقاءها بالتماس مع فلسطين، قضيتها المركزية والرئيسة، إما بقاءً أو فناءً…
فهل ننجح في الإمتحان والتحدي الأصعب والأخطر، أم نفشل ؟؟؟